منقول بتصرف عن مقال لرندة حيدر.
ملاحظة: بعض التواريخ ليست دقيقة.
"ساهمت الثورات العربية التي تجتاح دول المنطقة المطالبة بالديمقراطية والحرية، في تسليط الأضواء على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذه الدول. وأعادت الثورة السورية المستمرة منذ أربع سنوات تذكير السوريين بالصراع الطائفي على السلطة بين الطائفة العلوية التي تنتمي اليها عائلة الأسد، وبين الأكثرية السنية التي تمثل الأغلبية المطلقة في سورية والتي تم تهميشها واضطهادها من نظام الأسد.
هل العلويون مسلمون؟
أدى الطابع السري للديانة العلوية الى صعوبة التعرف عليها، لا سيما في ظل التشكيك بحقيقة انتساب هذه الطائفة الى الإسلام. ففي حين يشدد فقهاء الطائفة العلوية على أن “العلويين مسلمون، إماميون، جعفريون، يعتمدون الشريعة الإسلامية عقيدة لهم ويطبقون أحكامها، وفقاً لمذهب الإمام السادس جعفر الصادق”، فإن هناك من يعتبرهم هراطقة خارجين على الإسلام، مثل ابن تيمية (1263-1328) الذي أصدر فتوى كفّرهم فيها واعتبرهم من “أصناف القرامطة الباطنية وهم أكفر من اليهود والنصارى”. ومثل كل الأقليات عانى العلويون عبر تاريخهم الطويل من الاضطهاد الديني من الحكام، مما دفعهم الى الانغلاق داخل مجتمعهم والانسحاب للعيش في جبال الساحل السوري من عكار جنوباً الى طوروس شمالاً. ويعيش القسم الأكبر من العلويين اليوم في تركيا وسورية، كما يتوزعون في العراق وفلسطين، بالاضافة الى وجودهم في الولايات المتحدة واوروبا.وقديماً كان يطلق على العلويين إسم النصيرية نسبة الى محمد بن نصير (عاش حوالي 850 ميلادية) الذي يعود اليه وضع أسس هذا المذهب في بغداد و فصله عن الشيعة. وقد عاصر ثلاثة من أئمة الشيعة، هم عبد الهادي والحسن العسكري والإمام الذي اختفى وبقيت هذه التسمية تطلق عليهم حتى سنة 1920، حين قام الفرنسيون أيام الانتداب بتغيير إسمهم الى العلويين.
يتفق العلويون مع الشيعة عامة بالرواية التاريخية لمرحلة الرسول وما بعدها، لكنهم يختلفون في النظريات الدينية والتفاسير القرآنية، ويزعمون قدرتهم على معرفة الحقيقة بالتواتر عن الأئمة المعصومين. وأكثر ما يركز عليه العلويون هو العقل الذي يرمز عندهم الى الرسول. وهم مثل الشيعة يعطون مكانة كبيرة للإمام علي، لكنهم يختلفون عنهم بأنهم يغالون و يقدسون علياً ويرفعونه الى درجة الألوهة. وأكثر ما يختلف به العلويون عن السنة والشيعة في آن معاً هو إيمانهم بالثالوث المقدس الذي يتجلى بزعمهم في: الله – محمد – علي. مما يقربهم من فكرة الثالوث المقدس عند المسيحيين. كما يعتقد العلويون بنظرية الحلولية الإلهية، وبأن الله يتجلى في صورة الإنسان وقد تجلى في النبي محمد والإمام علي وعدد من الأئمة والصالحين وبعض الأشخاص لذلك ظهرت شخصيات في التاريخ العلوي ادعوا النبوة بل والألوهية مثل سليمان المرشد.
تقوم الديانة العلوية على الايمان بنظرية التقمص، أو التناسخ، الأمر الذي يقربهم من أبناء الطائفة الدرزية وكذلك فإن لهم موقف خاص من أركان الإسلام الخمسة، فكونهم من أصحاب الاعتقاد بالظاهر والباطن، ويرون أن روح العبادات ليست سلوكاً خارجياً ينفذه الانسان بعناية وبتكرار، وأن بواطن الأمور يمكن معرفتها من خلال الأئمة المعصومين، وأن الله يعطي هذه المعرفة لمن يشاء من عباده الذين يتصفون بالبصيرة والعقل، فهم لا يعتبرون الصيام في شهر رمضان أمراً ملزماً. أما الصلاة فلا ضرورة لإقامتها في المساجد، ويمكن أن تجري في منازل وأماكن خاصة. ويدافع العلويون عن عدم تشييدهم المساجد بالزعم أنها لم تكن موجودة أيام الرسول والإمام علي، ولأن علياً قتل داخل مسجد. ولا يحّرم العلويون شرب الخمر، مما يجعلهم يشبهون، بالاضافة الى أمور أخرى، المسيحيين. وقد دفعت أوجه الشبه بين العلويين والمسيحيين المستشرق البلجيكي هنري لامنس(1862-1937) الى كتابة بحث له بعنوان “هل العلويون مسيحيون؟” “ زعم فيه "أن العلويين هم من المسيحيين الذين أخفوا ديانتهم وادعوا أنهم مسلمون كي لا يتعرضوا للاضطهاد الديني”.
وثمة تشابه آخر ما بين العلويين والدروز في سرية التعليم الديني. فبالاستناد الى رسالة الدكتوراه التي أعدتها فابريس بلانش عن الموضوع :"عندما يبلغ الفتى العلوي سن المراهقة يقوم والده بتعريفه على شيخ يطلعه على أسرار الدين، ويصبح هذا الشيخ الأب الروحي للتلميذ ويدين له بالطاعة حتى الموت. لكن ليس كل أبناء الطائفة يحق لهم التعرف على ديانتهم، من هنا يقسم العلويين الى قسمين: العالمون بالدين والجاهلون به.
لا يفرض العلويون الحجاب على المرأة لأنه ليس فريضة إسلامية ولكنه نوع من الحشمة المحببة ولا يحق للمرأة العلوية الاطلاع على أسرار الدين، ورغم الدور المهم الذي كانت تقوم به في مجتمع الريف فإن هذا لا يعطيها حقوقاً، وهي أقل مرتبة من الرجل.
في رأي المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (1883- 1963) إن الديانة العلوية هي مزيج من الإسلام والفكر الصوفي والدين المسيحي والديانة الغنوصية المشرقية القديمة (تيار عقائدي ذو فلسفة حلولية نشأ في القرن الأول الميلادي وحاربته الكنيسة المسيحية) كما يبرز تأثر الديانة العلوية أيضاً بالمعتقدات الفارسية القديمة. ويحتفل العلويون بعيد الميلاد والغطاس، بالاضافة الى احيائهم لعاشوراء واحتفالهم بعيدي الفطر والأضحى.
العلويون في تركيا:
يعيش في تركيا اليوم ما بين 20 الى 23 مليون علوي، نحو 35 في المئة منهم من الأكراد، وهناك أيضاً علويون تركمان، ويتوزع هؤلاء في صورة خاصة في داخل الأناضول وفي غربه وبالقرب من البحر الأسود.
هناك اختلاف ما بين العلويين في تركيا والعلويين في سوريا. فالعلوية التركية تعود الى الفرقة الصوفية القزلباشية (ذوو الطاقيات الحمر) التي نشأت في القرن السادس عشر في أذربيجان وانتشرت في جنوب تركيا، ومنها نشأت الدولة الصفوية، ومن الفرقة الصوفية البكتاشية (طريقة صوفية شيعية المنشأ نسبة الى الشيخ بكتاش المتوفي السنة 1336). أما العلوية في سوريا فأقدم من ذلك بقرون عدة. لكن القاسم المشترك ما بين العلويين في تركيا وسوريا معاناتهم الكبيرة من الاضطهاد الديني أيام السطنة العثمانية. من هنا رأى العلويون في تركيا في مجيء أتاتورك الى الحكم الذي عمل على علمنة الدولة، خشبة خلاص لهم. وبدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين دخل العلويون في نسيج الدولة والمجتمع، وأخذت غالبيتهم تؤيد الأحزاب العلمانية. ولوحظ أنه منذ مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم عاد العلويون الى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية أكبر، وبدأت مطالبتهم بتمثيل أكثر عدالة في وظائف الدولة، لا سيما الحساسة منها. لكن اجمالاً يظهر العلويون باختلاف انتماءاتهم العرقية منسجمين ومندمجين داخل نسيج الدولة والمجتمع التركيين.
العلويون في سورية:
هم أقدم العلويين في المنطقة تاريخياً، ويشكلون اليوم ثاني طائفة في سوريا بعد السنة بنسبة 13 في المئة من تعداد الشعب السوري.وقد مرّ العلويون السوريون بمراحل طويلة من الاضطهاد أيام السلطنة العثمانية، التي لم تعترف بهم كمسلمين وفرضت عليهم الجزية بدءاً من سنة 1571، لأنهم لا يصلون ولا يؤدون الفرائض الإسلامية، ومنعتهم عن ممارسة أي شعائر خاصة بهم. هذا الأمر أجج مشاعر الكراهية لدى العلويين ضد السنة، ودفعهم الى التخندق داخل منطقة الجبال والانغلاق على أنفسهم. وقد ثار العلويون غير مرة ضد العثمانيين في 1806 و1811 و1852. ولم يتحسن الوضع إلا مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما قام العثمانيون ببعض الإصلاحات ومنحوهم شيئاً من الحرية.
شكل مجيء الانتداب الفرنسي مرحلة جديدة في تاريخ العلويين لأنه حررهم من اضطهاد العثمانيين، ولأن السلطات الفرنسية وافقت على منحهم الاستقلال الذاتي فأعلن في تموز 1922 عن قيام الدولة العلوية في اللاذقية وصدر قرار بالغاء الضرائب المفروضة على العلويين وانهاء عمل المحاكم السنية ونقل صلاحياتها الى قضاة علويين. وقد ساعد هذا كله في تغيير وضع العلويين بصورة كبيرة وأدى الى بداية نهضة هذه الطائفة ولكن في المقابل تعاون هؤلاء مع السلطات الفرنسية وشاركوا في فرقها العسكرية وخدموا في جهاز الشرطة والاستخبارات ضد الشعب السوري وضد أحرار سورية. لكن هذا لم يمنع من نشوب ثورات ضد الفرنسيين، أبرزها ثورة الشيخ صالح العلي الذي أعلن العصيان على الفرنسيين.لكن مخاوف العلويين تجددت مع انتهاء الانتداب الفرنسي والاعلان عن استقلال سورية و تم الغاء الدولة العلوية في كانون الأول 1936 وبرزت المقاومة العلوية للحكم السني في ثورة سليمان المرشد سنة 1939 و1946 وثورة ابنه 1952.
في الفترة 1946-1963 بدأ اندماج الطائفة العلوية بالدولة وصعودها. والمفارقة هنا أن تخلي العلويين عن توجهاتهم الانفصالية وانضواءهم الى الدولة شكلا بداية مرحلة نهوضهم الحقيقي فمنذ وصولهم الى الحكم بذل السنّة جهوداً كبيرة لدمج العلويين في كيان الدولة القومية وقد ألغى هؤلاء الفرق العسكرية العلوية ودمجوها بالجيش الوطني وعندما أيقن العلويون أن مصيرهم بات مربوطاً بمستقبل سوريا الجديدة بدأ سعيهم الى السلطة من خلال طريقين: الجيش وحزب البعث.
صعود الطائفة العلوية:
إن نسبة أبناء الطائفة السنية في الجيش كانت قليلة لأسباب ثلاثة، هي كره النخبة السنية للحياة العسكرية، ومحاولة السياسيين تقزيم دور الجيش في الحياة السياسية، وعدم قدرة أبناء الأقليات بصورة عامة على دفع بدل مالي لإعفائهم من الخدمة العسكرية، في المقابل رأى العلويون في الجيش فرصة للإرتقاء الاجتماعي وللخروج من حياة الريف الفقير والدخول في حياة المدن السورية، ناهيك عما يقدمه الجيش من حياة لائقة بالمقارنة مع ظروف حياتهم الصعبة وكان قادة الجيش من السنة يعتقدون أنهم باحتكارهم المناصب الرفيعة في الجيش، يستطيعون السيطرة عليه و لكن الصراع على السلطة ما بين الضباط السنة ودخول سورية مرحلة الانقلابات العسكرية أدى الى الغاء بعضهم البعض وساهمت بصورة كبيرة في تعزيز مواقع العلويين الذين بقوا موحدين داخل الجيش ويخضعون لقيادة واحدة لها هدف واضح وقد استفادت من خوف الزعامات السنية من الخيانات واعتمادهم على ولاء الضباط من الأقليات في الجيش وهذا عزز موقع الضباط العلويين والأهم أن السنة وباقي الطوائف كانوا يدخلون الجيش كأفراد، اما العلويون فكانوا يدخلونه كجماعة متضامنة.
أما العامل الثاني الذي ساهم كثيراً في صعود الطائفة العلوية فهو حزب البعث الذي جذب بأفكاره العلمانية الاشتراكية جموع العلويين من الفلاحين وأهالي الأرياف الذين عانوا من التمييز وكانوا يعيشون في حال من الفقر اضافة الى انتقال أبناء الريف الى المدن للدراسة. فانضم العلويون بأعداد كبيرة الى صفوف حزب البعث، لا سيما في فرع الحزب في اللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب.
لعب العلويون دوراً مهماً في انقلاب آذار 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، لكن نفوذهم تجلى مع الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد 1970 الذي شكل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى اليوم. ويذكر أن حافظ الأسد طلب من موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان اصدار فتوى تقول ان العلويين هم من الشيعة وقد أصدر الإمام هذه الفتوى في سنة 1974.
يواجه الأسد في سورية اليوم أكبر تحد منذ 50 سنة فالثورة بدأت تزعزع النظام الأحادي القمعي العسكري وكل مكونات المجتمع السوري تطالب بنظام سياسي تعددي يضمن اجراء انتخابات حرة وليست صورية مثل انتخابات الأسدين الأب والابن وتنقل سورية نحو حياة سياسية حرة وعادلة.
العلويون في اوروبا:
وفق التقديرات يعيش في أوروبا أكثر من مليوني علوي يقطن العدد الأكبر منهم في ألمانيا: 600 ألف شخص وهناك نحو 150 ألف آخرين في فرنسا وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً في العام الماضي بهم كطائفة دينية مستقلةحيث يبلغ عددهم 60 ألف شخص.
ملاحظة: بعض التواريخ ليست دقيقة.
"ساهمت الثورات العربية التي تجتاح دول المنطقة المطالبة بالديمقراطية والحرية، في تسليط الأضواء على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي لهذه الدول. وأعادت الثورة السورية المستمرة منذ أربع سنوات تذكير السوريين بالصراع الطائفي على السلطة بين الطائفة العلوية التي تنتمي اليها عائلة الأسد، وبين الأكثرية السنية التي تمثل الأغلبية المطلقة في سورية والتي تم تهميشها واضطهادها من نظام الأسد.
هل العلويون مسلمون؟
أدى الطابع السري للديانة العلوية الى صعوبة التعرف عليها، لا سيما في ظل التشكيك بحقيقة انتساب هذه الطائفة الى الإسلام. ففي حين يشدد فقهاء الطائفة العلوية على أن “العلويين مسلمون، إماميون، جعفريون، يعتمدون الشريعة الإسلامية عقيدة لهم ويطبقون أحكامها، وفقاً لمذهب الإمام السادس جعفر الصادق”، فإن هناك من يعتبرهم هراطقة خارجين على الإسلام، مثل ابن تيمية (1263-1328) الذي أصدر فتوى كفّرهم فيها واعتبرهم من “أصناف القرامطة الباطنية وهم أكفر من اليهود والنصارى”. ومثل كل الأقليات عانى العلويون عبر تاريخهم الطويل من الاضطهاد الديني من الحكام، مما دفعهم الى الانغلاق داخل مجتمعهم والانسحاب للعيش في جبال الساحل السوري من عكار جنوباً الى طوروس شمالاً. ويعيش القسم الأكبر من العلويين اليوم في تركيا وسورية، كما يتوزعون في العراق وفلسطين، بالاضافة الى وجودهم في الولايات المتحدة واوروبا.وقديماً كان يطلق على العلويين إسم النصيرية نسبة الى محمد بن نصير (عاش حوالي 850 ميلادية) الذي يعود اليه وضع أسس هذا المذهب في بغداد و فصله عن الشيعة. وقد عاصر ثلاثة من أئمة الشيعة، هم عبد الهادي والحسن العسكري والإمام الذي اختفى وبقيت هذه التسمية تطلق عليهم حتى سنة 1920، حين قام الفرنسيون أيام الانتداب بتغيير إسمهم الى العلويين.
يتفق العلويون مع الشيعة عامة بالرواية التاريخية لمرحلة الرسول وما بعدها، لكنهم يختلفون في النظريات الدينية والتفاسير القرآنية، ويزعمون قدرتهم على معرفة الحقيقة بالتواتر عن الأئمة المعصومين. وأكثر ما يركز عليه العلويون هو العقل الذي يرمز عندهم الى الرسول. وهم مثل الشيعة يعطون مكانة كبيرة للإمام علي، لكنهم يختلفون عنهم بأنهم يغالون و يقدسون علياً ويرفعونه الى درجة الألوهة. وأكثر ما يختلف به العلويون عن السنة والشيعة في آن معاً هو إيمانهم بالثالوث المقدس الذي يتجلى بزعمهم في: الله – محمد – علي. مما يقربهم من فكرة الثالوث المقدس عند المسيحيين. كما يعتقد العلويون بنظرية الحلولية الإلهية، وبأن الله يتجلى في صورة الإنسان وقد تجلى في النبي محمد والإمام علي وعدد من الأئمة والصالحين وبعض الأشخاص لذلك ظهرت شخصيات في التاريخ العلوي ادعوا النبوة بل والألوهية مثل سليمان المرشد.
تقوم الديانة العلوية على الايمان بنظرية التقمص، أو التناسخ، الأمر الذي يقربهم من أبناء الطائفة الدرزية وكذلك فإن لهم موقف خاص من أركان الإسلام الخمسة، فكونهم من أصحاب الاعتقاد بالظاهر والباطن، ويرون أن روح العبادات ليست سلوكاً خارجياً ينفذه الانسان بعناية وبتكرار، وأن بواطن الأمور يمكن معرفتها من خلال الأئمة المعصومين، وأن الله يعطي هذه المعرفة لمن يشاء من عباده الذين يتصفون بالبصيرة والعقل، فهم لا يعتبرون الصيام في شهر رمضان أمراً ملزماً. أما الصلاة فلا ضرورة لإقامتها في المساجد، ويمكن أن تجري في منازل وأماكن خاصة. ويدافع العلويون عن عدم تشييدهم المساجد بالزعم أنها لم تكن موجودة أيام الرسول والإمام علي، ولأن علياً قتل داخل مسجد. ولا يحّرم العلويون شرب الخمر، مما يجعلهم يشبهون، بالاضافة الى أمور أخرى، المسيحيين. وقد دفعت أوجه الشبه بين العلويين والمسيحيين المستشرق البلجيكي هنري لامنس(1862-1937) الى كتابة بحث له بعنوان “هل العلويون مسيحيون؟” “ زعم فيه "أن العلويين هم من المسيحيين الذين أخفوا ديانتهم وادعوا أنهم مسلمون كي لا يتعرضوا للاضطهاد الديني”.
وثمة تشابه آخر ما بين العلويين والدروز في سرية التعليم الديني. فبالاستناد الى رسالة الدكتوراه التي أعدتها فابريس بلانش عن الموضوع :"عندما يبلغ الفتى العلوي سن المراهقة يقوم والده بتعريفه على شيخ يطلعه على أسرار الدين، ويصبح هذا الشيخ الأب الروحي للتلميذ ويدين له بالطاعة حتى الموت. لكن ليس كل أبناء الطائفة يحق لهم التعرف على ديانتهم، من هنا يقسم العلويين الى قسمين: العالمون بالدين والجاهلون به.
لا يفرض العلويون الحجاب على المرأة لأنه ليس فريضة إسلامية ولكنه نوع من الحشمة المحببة ولا يحق للمرأة العلوية الاطلاع على أسرار الدين، ورغم الدور المهم الذي كانت تقوم به في مجتمع الريف فإن هذا لا يعطيها حقوقاً، وهي أقل مرتبة من الرجل.
في رأي المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (1883- 1963) إن الديانة العلوية هي مزيج من الإسلام والفكر الصوفي والدين المسيحي والديانة الغنوصية المشرقية القديمة (تيار عقائدي ذو فلسفة حلولية نشأ في القرن الأول الميلادي وحاربته الكنيسة المسيحية) كما يبرز تأثر الديانة العلوية أيضاً بالمعتقدات الفارسية القديمة. ويحتفل العلويون بعيد الميلاد والغطاس، بالاضافة الى احيائهم لعاشوراء واحتفالهم بعيدي الفطر والأضحى.
العلويون في تركيا:
يعيش في تركيا اليوم ما بين 20 الى 23 مليون علوي، نحو 35 في المئة منهم من الأكراد، وهناك أيضاً علويون تركمان، ويتوزع هؤلاء في صورة خاصة في داخل الأناضول وفي غربه وبالقرب من البحر الأسود.
هناك اختلاف ما بين العلويين في تركيا والعلويين في سوريا. فالعلوية التركية تعود الى الفرقة الصوفية القزلباشية (ذوو الطاقيات الحمر) التي نشأت في القرن السادس عشر في أذربيجان وانتشرت في جنوب تركيا، ومنها نشأت الدولة الصفوية، ومن الفرقة الصوفية البكتاشية (طريقة صوفية شيعية المنشأ نسبة الى الشيخ بكتاش المتوفي السنة 1336). أما العلوية في سوريا فأقدم من ذلك بقرون عدة. لكن القاسم المشترك ما بين العلويين في تركيا وسوريا معاناتهم الكبيرة من الاضطهاد الديني أيام السطنة العثمانية. من هنا رأى العلويون في تركيا في مجيء أتاتورك الى الحكم الذي عمل على علمنة الدولة، خشبة خلاص لهم. وبدءاً من النصف الثاني من القرن العشرين دخل العلويون في نسيج الدولة والمجتمع، وأخذت غالبيتهم تؤيد الأحزاب العلمانية. ولوحظ أنه منذ مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم عاد العلويون الى ممارسة شعائرهم الدينية بحرية أكبر، وبدأت مطالبتهم بتمثيل أكثر عدالة في وظائف الدولة، لا سيما الحساسة منها. لكن اجمالاً يظهر العلويون باختلاف انتماءاتهم العرقية منسجمين ومندمجين داخل نسيج الدولة والمجتمع التركيين.
العلويون في سورية:
هم أقدم العلويين في المنطقة تاريخياً، ويشكلون اليوم ثاني طائفة في سوريا بعد السنة بنسبة 13 في المئة من تعداد الشعب السوري.وقد مرّ العلويون السوريون بمراحل طويلة من الاضطهاد أيام السلطنة العثمانية، التي لم تعترف بهم كمسلمين وفرضت عليهم الجزية بدءاً من سنة 1571، لأنهم لا يصلون ولا يؤدون الفرائض الإسلامية، ومنعتهم عن ممارسة أي شعائر خاصة بهم. هذا الأمر أجج مشاعر الكراهية لدى العلويين ضد السنة، ودفعهم الى التخندق داخل منطقة الجبال والانغلاق على أنفسهم. وقد ثار العلويون غير مرة ضد العثمانيين في 1806 و1811 و1852. ولم يتحسن الوضع إلا مع نهاية القرن التاسع عشر، عندما قام العثمانيون ببعض الإصلاحات ومنحوهم شيئاً من الحرية.
شكل مجيء الانتداب الفرنسي مرحلة جديدة في تاريخ العلويين لأنه حررهم من اضطهاد العثمانيين، ولأن السلطات الفرنسية وافقت على منحهم الاستقلال الذاتي فأعلن في تموز 1922 عن قيام الدولة العلوية في اللاذقية وصدر قرار بالغاء الضرائب المفروضة على العلويين وانهاء عمل المحاكم السنية ونقل صلاحياتها الى قضاة علويين. وقد ساعد هذا كله في تغيير وضع العلويين بصورة كبيرة وأدى الى بداية نهضة هذه الطائفة ولكن في المقابل تعاون هؤلاء مع السلطات الفرنسية وشاركوا في فرقها العسكرية وخدموا في جهاز الشرطة والاستخبارات ضد الشعب السوري وضد أحرار سورية. لكن هذا لم يمنع من نشوب ثورات ضد الفرنسيين، أبرزها ثورة الشيخ صالح العلي الذي أعلن العصيان على الفرنسيين.لكن مخاوف العلويين تجددت مع انتهاء الانتداب الفرنسي والاعلان عن استقلال سورية و تم الغاء الدولة العلوية في كانون الأول 1936 وبرزت المقاومة العلوية للحكم السني في ثورة سليمان المرشد سنة 1939 و1946 وثورة ابنه 1952.
في الفترة 1946-1963 بدأ اندماج الطائفة العلوية بالدولة وصعودها. والمفارقة هنا أن تخلي العلويين عن توجهاتهم الانفصالية وانضواءهم الى الدولة شكلا بداية مرحلة نهوضهم الحقيقي فمنذ وصولهم الى الحكم بذل السنّة جهوداً كبيرة لدمج العلويين في كيان الدولة القومية وقد ألغى هؤلاء الفرق العسكرية العلوية ودمجوها بالجيش الوطني وعندما أيقن العلويون أن مصيرهم بات مربوطاً بمستقبل سوريا الجديدة بدأ سعيهم الى السلطة من خلال طريقين: الجيش وحزب البعث.
صعود الطائفة العلوية:
إن نسبة أبناء الطائفة السنية في الجيش كانت قليلة لأسباب ثلاثة، هي كره النخبة السنية للحياة العسكرية، ومحاولة السياسيين تقزيم دور الجيش في الحياة السياسية، وعدم قدرة أبناء الأقليات بصورة عامة على دفع بدل مالي لإعفائهم من الخدمة العسكرية، في المقابل رأى العلويون في الجيش فرصة للإرتقاء الاجتماعي وللخروج من حياة الريف الفقير والدخول في حياة المدن السورية، ناهيك عما يقدمه الجيش من حياة لائقة بالمقارنة مع ظروف حياتهم الصعبة وكان قادة الجيش من السنة يعتقدون أنهم باحتكارهم المناصب الرفيعة في الجيش، يستطيعون السيطرة عليه و لكن الصراع على السلطة ما بين الضباط السنة ودخول سورية مرحلة الانقلابات العسكرية أدى الى الغاء بعضهم البعض وساهمت بصورة كبيرة في تعزيز مواقع العلويين الذين بقوا موحدين داخل الجيش ويخضعون لقيادة واحدة لها هدف واضح وقد استفادت من خوف الزعامات السنية من الخيانات واعتمادهم على ولاء الضباط من الأقليات في الجيش وهذا عزز موقع الضباط العلويين والأهم أن السنة وباقي الطوائف كانوا يدخلون الجيش كأفراد، اما العلويون فكانوا يدخلونه كجماعة متضامنة.
أما العامل الثاني الذي ساهم كثيراً في صعود الطائفة العلوية فهو حزب البعث الذي جذب بأفكاره العلمانية الاشتراكية جموع العلويين من الفلاحين وأهالي الأرياف الذين عانوا من التمييز وكانوا يعيشون في حال من الفقر اضافة الى انتقال أبناء الريف الى المدن للدراسة. فانضم العلويون بأعداد كبيرة الى صفوف حزب البعث، لا سيما في فرع الحزب في اللاذقية وفي فروع جامعتي دمشق وحلب.
لعب العلويون دوراً مهماً في انقلاب آذار 1963، وتولوا مناصب حساسة في النظام، كما قاموا بانقلاب 1966، لكن نفوذهم تجلى مع الانقلاب الذي قام به حافظ الأسد 1970 الذي شكل بداية حكم عائلة الأسد التي من خلاله ضمنت استمرار سيطرة الطائفة العلوية على الحكم حتى اليوم. ويذكر أن حافظ الأسد طلب من موسى الصدر رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان اصدار فتوى تقول ان العلويين هم من الشيعة وقد أصدر الإمام هذه الفتوى في سنة 1974.
يواجه الأسد في سورية اليوم أكبر تحد منذ 50 سنة فالثورة بدأت تزعزع النظام الأحادي القمعي العسكري وكل مكونات المجتمع السوري تطالب بنظام سياسي تعددي يضمن اجراء انتخابات حرة وليست صورية مثل انتخابات الأسدين الأب والابن وتنقل سورية نحو حياة سياسية حرة وعادلة.
العلويون في اوروبا:
وفق التقديرات يعيش في أوروبا أكثر من مليوني علوي يقطن العدد الأكبر منهم في ألمانيا: 600 ألف شخص وهناك نحو 150 ألف آخرين في فرنسا وقد اعترفت السلطات في النمسا رسمياً في العام الماضي بهم كطائفة دينية مستقلةحيث يبلغ عددهم 60 ألف شخص.