لا وجود اصلا لشيء اسمه حزب البعث في سوريا حتى يفيد تغيير القيادة القطرية في مجال ما. من يسمّون الاعضاء في القيادة القطرية أو القومية في الحزب ليسوا سوى أدوات يستخدمها النظام لتحقيق مآرب خاصة به...متى دعت الحاجة الى ذلك.
الحزب كلّه ليس سوى واجهة تستخدم لتغطية تصرّفات نظام عسكري- أمني تحوّل بعد انقلابه على القيادة المدنية للحزب، في العام 1963، الى نظام طائفي ولم يلبث حافظ الاسد طويلا حتى تفرد بالسلطة وأقام نظاما خاصا به يعتمد بين ما يعتمد على جعل سنّة الارياف في مواجهة سنّة المدن، في حين يبقى العصب الاساسي للنظام، أي الأمن، بين يديه شخصيا وأيدي المحيطين به من طائفته العلوية التي أصبحت الحاكم الحقيقي لكل مفاصل الدولة.
منذ العام 2000، اي بعدما ورث بشّار الاسد السلطة ومعها سوريا، زاد تركيز هذه السلطة بين يدي العائلة وما يتفرّع عنها. والحزب لم يعد يصلح حتى كغطاء، خصوصا مع تزايد النفوذ الايراني في دمشق نفسها وتحوّل بشّار اسيرا لهذا النفوذ. كان أفضل تعبير عن حجم هذا النفوذ هو العلاقة الجديدة بين "حزب الله"، وهو ميليشيا طائفية لبنانية تابعة مباشرة للنظام الإيراني التي لم تعد تخضع لسلطة بشار
تغيّرت القيادة القطرية لحزب البعث في سوريا أم لم تتغيّر فإن ايران صاحب الكلمة الفصل في قرارات بشار وكلّما مرّ الوقت يزداد اعتماد النظام السوري على ايران وعلى السلاح الروسي. البعث صار جزءا من الماضي. كان حلما لدى بعض الشباب الغبي الرومانسي الذي اراد أن يقلّد تجارب الغرب عن طريق تغليفها بشعارات ذات طابع عربي وكان هو حصان طروادة لكل الخونة الذين لا يحملون أي انتماء لسورية أو للعرب أو للمسلمين.النظام الايراني الذي يرسل عناصر "حزب الله" واخرى من ميليشيات شيعية عراقية لخوض المعارك التي تستهدف اخضاع المدن والبلدات السنّية في سوريا وحماية ممرّ يربط دويلة ايران، القائمة في سهل البقاع اللبناني وعاصمتها بعلبك بالساحل السوري. مطلوب ايرانيا تنفيذ هذا المشروع حتى لو كلّف ذلك تهجير مليون سوري من حمص وتدمير القصير على اهلها وتطويق بلدة عرسال اللبنانية من كلّ جانب...
ما يسعى اليه السوريون يتجاوز البعث وما شابه البعث وشعارات النظام من:"الصمود والتصدي" "المقاومة والممانعة". ما يسعى اليه السوريون يتمثل في التخلّص من النظام الذي لم يكن يوما سوى آلة قتل وظلم وتعذيب.سورية الآن في حرب أهلية تتخذ يوما بعد يوما طابعا طائفيا. تحوّلت ايران بدعم روسي مكشوف الى جزء لا يتجزّأ من هذه الحرب.وكلما بقي النظام المرفوض من شعبه في السلطة يوما إضافيا زاد التطرّف في صفوف ابناء الشعب الثائر. هل هذا ما تريده ايران التي ترى في التطرف السنّي، الذي تشجّعه بكل الوسائل الممكنة، مبررا لوجود ميليشيات شيعية تابعة لها موزعة في مختلف البلاد العربية من اليمن والبحرين وصولا الى لبنان والعراق وسوريا نفسها؟
على المحكّ الآن وجود سوريا... وليس مستقبل البعث. البعث بشعاراته وادبياته شيء من الماضي لا أكثر. استُخدم في تخريب سوريا وتدمير مؤسساتها المدنية، كما استخدم في تخريب العراق وتسهيل ايصاله الى ما وصل اليه اليوم. أدّى الحزب كلّ المهمّات المطلوبة منه. هل ينجح في مهمّته الاخيرة المتمثلة في تقسيم سوريا وتسليم جزء منها، الى ايران؟لعل هذه هي المهة الوحيدة المتبقية للرفاق في القيادة القطرية الجديدة.