الانتداب الفرنسي على سوريا هو انتداب فرضته عصبة الأمم المتحدة عام 1922 لفرنسا للوصاية على جزء من سوريا الطبيعية والمساعدة في إنشاء مؤسسات للدولة هناك بعد سقوط الامبراطورية العثمانية. بعد انتهاء فترة الانتداب في أواخر أربعينيات القرن العشرين نشأ كيانان مستقلان هما الجمهورية السورية والجمهورية اللبنانية.
أقرت اتفاقيتا سايكس بيكو وسان ريمو الانتداب الفرنسي على سورية الطبيعية. ولكن المؤتمر السوري العام الذي انعقد في 8 آذار 1920 رفض الانتداب وأعلن استقلال سورية الطبيعية بحدودها كاملة وإقامة المملكة العربية السورية بزعامة الملك فيصل بن الحسين. دخلت القوات الفرنسية دمشق في عام 1920 بعد أن لاقت مقاومة عنيفة ورفضاً للانتداب الفرنسي برغم أن حكومة الملك فيصل بن الحسين في دمشق قبلت إنذار غورو وحلت الجيش ولكن المؤتمر السوري العام رفض الإنذار. توجهت القوات الفرنسية الموجودة في جبل لبنان نحو دمشق بعد أن انضم إليها متطوعون من الموارنة للقتال ضد الدولة السورية ذات الأغلبية المسلمة، ولكن العرب تصدوا لها بما يملكون من أسلحة بسيطة في معركة ميسلون التي انتصر فيها الفرنسيون، فقاموا بإسقاط حكومة رضا الركابي الوطنية وأبعدوا الملك فيصل. وإمعانا في معاقبة السوريين، قاموا باقتطاع الأقاليم السورية الشمالية وضمها إلى تركيا في معاهدة لوزان، وطُبق الانتداب على سوريا ولبنان ومنطقة الموصل (حالياً في العراق). استمر هذا الانتداب حتى بداية الحرب العالمية الثانية بعد سقوط فرنسا تحت الاحتلال الألماني وظهور حكومة فيشي. خلال فترة هذا الانتداب، تم تأسيس الجمهورية السوريّة ودولة لبنان الكبير من ضمن العديد من الكيانات الصغيرة ضمن منطقة الانتداب والتي أصبحت لاحقاً الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية، على التوالي.
أراد الجنرال غورو تأديب السوريين على تصديهم لفرنسا في معركة ميسلون فأعلن في عام 1920 تقسيم سورية على أساس طائفي إلى ست دويلات مستقلة هي التالية:دولة دمشق ,دولة حلب ,دولة العلويين , دولة لبنان الكبير.ثم أعلن في عام 1921 قيام دولة جبل الدروز ولواء الاسكندرون المستقل وكما سبق، فقد أعطيت الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية.
الاتحاد السوري:
كانت هذه الدويلات في بادئ الأمر مستقلة تماماً ولكل منها علم وعاصمة وحكومة وبرلمان وعيد وطني وطوابع مالية وبريدية خاصة، وبسبب الرفض الشعبي للتقسيم فقد كان الجميع متفقين على القومية السورية وعدم الاعتراف به قامت فرنسا في عام 1922 بإنشاء اتحاد فدرالي فضفاض بين ثلاث من هذه الدويلات (دمشق وحلب والعلويين) تحت اسم "الاتحاد السوري"، واتخذ علم لهذا الاتحاد كان عبارة عن شريط عرضي أبيض يتوسط خلفية خضراء.
وفي الشهر الأخير من عام 1924 قرر الفرنسيون إلغاء الاتحاد السوري وتوحيد دولتي دمشق وحلب في دولة واحدة هي دولة سورية، وأما دولة العلويين فقد فصلت مجدداً وعادت دولة مستقلة بعاصمتها في اللاذقية.الثورة السورية الكبرى:
في منطقة حوران بقيادة زعيم حوران الشيخ إسماعيل باشا بن إبراهيم الحريري الرفاعي شيخ مشايخ حوران والشيخ زعل بيك بن شحادة الرفاعي من زعماء الثورة في حوران. وامتدت الثورة إلى دمشق ولبنان واللاذقية، وبعد هذا بقليل في عام 1925 قامت في السويداء جبل الدروز الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش،مع العلم ان سلطان باشا الأطرش تم تسيده لدعم الثورة من الطائفة الدرزية. تم ذلك بعد عدة سنين من محاربة ضد الفرنسين. أرادت فرنسا الرد على السوريين فأوعزت إلى البرلمان الحلبي (وكان جلّ أعضائه من الموالين لها) بالانعقاد وإعلان الانفصال عن دمشق. ولكن الوطنيين في حلب بقيادة إبراهيم هنانو ثاروا بقوة وأحبطوا المشروع الفرنسي بعد أن أقاموا الاحتجاجات والتظاهرات وقاموا بقطع الطرق المؤدية إلى البرلمان يوم التصويت لمنع أعضائه من الوصول والتصويت على قرارهم المتوقع.
إعلان الجمهورية السورية:في عام 1930 تم اتخاذ دستور جديد لسورية وإعلانها باسم "الجمهورية السورية"، واتخذ علم جديد كان عبارة عن ثلاثة أشرطة عرضية (من الأعلى للأسفل: أخضر، أبيض، أسود) وتتوسطه ثلاثة نجوم حمراء ترمز إلى المحافظات الثلاث (دمشق وحلب ودير الزور).
وفي عام 1936، تم توقيع معاهدة الاستقلال مع فرنسا لتوحيد كافة الأقاليم السورية بما في ذلك دولتي اللاذقية وجبل الدروز. ولكن فرنسا رفضت انضمام إقليم جبل لبنان لهذه الدولة الموحدة بسبب معارضة الموارنة أصدقاء فرنسا والمؤيدين بشدة للانفصال. أما المسلمون في لبنان فقد كان موقفهم واضحا ضد التقسيم منذ البداية وقاموا بالاحتجاج والعصيان متمسكين بانتمائهم للوطن الأم (سورية) ولم يقبلوا بفكرة الدولة اللبنانية حتى الأربعينات بعد أن قبل رياض الصلح بها مقابل تنازل الموارنة عن فكرة الحماية الفرنسية وقبول مبدأ الانتماء العربي للبنان. إضافة إلى جبل لبنان، اقتطعت أربعة أقضية (بيروت وطرابلس والبقاع وصيدا) أخرى من سورية وألحقت بلبنان الذي صار يسمى بلبنان الكبير، وتغير فيما بعد إلى الجمهورية اللبنانية.
انفصال إقليم لبنان عن سوريا:
دولة لبنان الكبير هو اسم الإقليم الذي كونته فرنسا بعد أن فصل عن سورية الطبيعية مبشرة بلبنان الحديث، وفي ذلك الوقت كانت لبنان وسورية تحت حكم الانتداب الفرنسي. أقيمت دولة لبنان الكبير في الفترة ما بين 1 سبتمبر 1920 وحتى 23 مايو 1926 وتم إعلان بيروت عاصمة للدولة وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معاً. ورغم قصر عمر تلك الدولة فقد شكلت أهمية كبرى ومعاصرة في تاريخ لبنان.
معاهدة لوزان تنازل فرنسا عن أكثر من 100,000 كم من الأراضي السورية لتركيا
معاهدة لوزان وتعرف أحيانا باسم "معاهدة لوزان الثانية" (تم توقيعها في 24 يوليو/تموز 1923) كانت معاهدة سلام وقعت في لوزان، سويسرا تم على اثرها تسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية (القسم الأوروبي من تركيا حاليا) في الدولة العثمانية وذلك بابطال معاهدة سيفر التي وقعتها الدولة العثمانية كنتيجة لحرب الاستقلال التركية بين قوات حلفاء الحرب العالمية الأولى والجمعية الوطنية العليا في تركيا (الحركة القومية التركية) بقيادة مصطفى كمال أتاتورك.[قادت المعاهدة إلى اعتراف دولي بجمهورية تركيا التي ورثت محل الإمبراطورية العثمانية.
الحدودحددت المعاهدة حدود عدة بلدان مثل اليونان وبلغاريا وتركيا والمشرق العربي. تنازلت فيها تركيا عن مطالبها بجزر دوديكانيسيا (الفقرة 15) وقبرص (الفقرة 20) ومصر والسودان (الفقرة 17) والعراق وسوريا (الفقرة 3)، كما تنازلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا التي حددت في الفقرة 10 من معاهدة أوشي بين الدولة العثمانية و مملكة إيطاليا في 1912 (كامل الفقرة 22 في معاهدة لوزان 1923). في المقابل، أعيد ترسيم الحدود مع سوريا بما يشمل ضم أراض واسعة وتضم من الغرب إلى الشرق مدن ومناطق مرسين وطرسوس وقيليقية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش واورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر.
تقييم الانتداب الفرنسي:
وهكذا قامت فرنسا الدولة المسؤولة عن الحفاظ على اراضي الدولة المنتدبة سوريةوالتي اعتبرتها عصبة الأمم غير مؤهلة لتكون دولة كاملة الاستقلال بل تحتاج إلى من يرعاها قامت بالتوقيع والتنازل عن أكثر من 100000 كم2 تعويضا لتركيا عما تم سلبه منها في القسم الاوربي من أراضيها.كما سلخت منها مجموعة من البلدات لتنشئ ما أسمته دولة لبنان الكبير وتخلت عن جنوب سورية وأعطتها للملك فيصل بن الشريف حسين الذي طردته من سورية كجائزة ترضية لينشئ ما سمي "إمارة شرق نهر الأردن" التي أصبحت لاحقا المملكة الأردنية الهاشمية.وأخيرا قدمت فرنسا لواء اسكندرون رشوة لتركيا لمنعها من الانضمام لحليفتها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية التي كانت نذرها قد بدأت.
بهذه الطريقة ضاع أكثر من نصف الأراضي السورية وتحولت مساحة سورية التي احتلها الجنرال غورو من 400000 كم2 إلى 185000 كم2.