إن التواطؤ الأميركي مع النظام القاتل في الشام شكل زلزالاً حقيقياً للأرضية الأخلاقية للسياسة الأميركية ولا سيما بعد أن لحس الرئيس الأميركي باراك أوباما خطه الأحمر حين تخطاه رئيس العصابة الأسدية وقتل 1400 طفل وشيخ وامرأة بغاز السارين المحرم دولياً في صبيحة 21-8-2013وعلى الرغم من تعهد رئيس العصابة برمي الأسلحة الكيميائية كلها بناءً على المسرحية السخيفة بين لافروف و كيري إلاّ أنه واصل قصفه للمناطق السورية بغاز الكلور السام دون حسيب أو رقيب، وتشجعت على إثره روسيا حين قرر رئيسها بوتين بعد سبعة أشهرأن يغزو القرم ويضمها إليه متحدياً أميركا ورئيسها الضعيف المتردد.
مقابل ذلك بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبتعد عن أميركا ويشعر أنها تخلت عنه من أجل مليشيات كردية معادية للدولة التركية، وبالتالي ضحى أوباما بعلاقات استراتيجية مع تركيا مقابل حليف مليشياوي كردي، مثل هذا الوضع دفع أردوغان لإعادة اصطفافه من خلال زيارته إلى بوتين الأخيرة، وإن كان أردوغان يعي تماماً المرارات التاريخية بين روسيا وبلاده، ولكنه بسبب المناكفات السياسية التي تعرض لها في هذه الظروف العصيبة رمته للتحالف مع روسيا وهذا ما بدأت الدول الخليجية بالتفكير فيه بعد أن أدركت أن التحالف الأميركي الإيراني موجه ضد كل من هو عربي وضد كل من هو سني.
لم تفلح الإدارة الأميركية اليوم في الشام من نسج علاقات مع أي فصيل أو شريحة مجتمعية بسبب تخبطها وترددها في سياساتها، بينما السياسة الروسية واضحة وهي الاعتماد على الرصيد الاستراتيجي للنظام الذي يستند على الأقلية العلوية والمسيحية بينما أميركا لا تعرف من هم حلفاؤها، فقد سعت إلى تدريب فصائل في الجيش الحر ثم تخلت عنهم، وتخلت عن تركيا حليفها التقليدي وبرز ذلك في دعمها أو صمتها على الانقلابيين وأقل شيء يقال في حقها أنها فضلت الانقلابيين والجنرالات على الديمقراطية والشعب التركي، وكان ذلك بارزاً من خلال انتقادها لطريقة تعامل الحكومة التركية مع الانقلابيين الذين قصفوا البرلمان ومبان حكومية، ورفضها تسليم فتح الله غولن للحكومة التركية وهو المتهم الرئيسي بالمحاولة الانقلابية الفاشلة..
الميليشيات الكردية التي سعت أميركا اوباما إلى نسج علاقات معهم على حساب الشعب السوري والحليفة تركيا تخلت عنهم بعد الضغط التركي، وبالتالي من سيثق بأميركا بعد اليوم في المنطقة.. أكبر الأخطاء السياسية الدولية أن تتعامل بالآني على حساب البعيد، وتؤثر التكتيكي على الاستراتيجي، وتظن أن مصالحك على حساب حلفائك ستنجيك وتكسبك القوة، فاهتمامك بمصالح حلفائك أحياناً أهم من الاهتمام بمصالحك، فوقت الحصاد آت ومن يزرع الريح يحصد العاصفة .
