الليبرالية تقوم على مبدأ أساسي هو تخفيض الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، وحتى على صيانة الطرق والجسور وإمدادات المياه، وتقليص شبكة الأمان للفقراء من أجل تقليص دور الحكومة واقتصار عملها على التحكم في الاقتصاد ومجريات السوق وهكذا ظهرت الخصخصة، أي بيع الشركات التابعة للدولة والسلع والخدمات والمصارف والصناعات الرئيسية والسكك الحديدية والطرق والكهرباء والمدارس والمستشفيات وحتى المياه والنفط والغاز للمستثمرين والشركات الخاصة، ليديروها و يربحوا منها.
ان تراجع الانفاق على قطاع الصحة وما تبعه من نقص اعداد الأطباء والعاملين في الصحة العامة وانخفاض اعداد الأسرة وارتفاع كلفة المعالجة مع تناقص نسبة من هم تحت التأمين الطبي كل ذلك انعكس على البنية الهيكلية للقطاع الصحي وحجم توفيرها للخدمات الصحية وانهيارها أمام اول اختبار تحد حقيقي لها.عندما نجد في دولة مثل ايطاليا حوالي 5 آلاف سرير أي بمعدل 8.7 سرير لكل 100 ألف مواطن في المستشفيات فهذا يبرر الوضع الكارثي الذي حدث فيها.
وهكذا في الوقت الذي تخصص فيه الدول الميزانيات الضخمة للدفاع والجيوش والإنتاج الحربي لحماية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية خارج حدودها ، حيث تتركز مصالحها على مصادر الطاقة والمواد الأولية الضرورية لاقتصاداتها، تجد اليوم نفسها عاجزة عن استغلال إمكاناتها الضخمة لمواجهة فيروس الكورونا.انه يبدو مشهدًا خياليًّا امتلاء البحر الأبيض المتوسط بالجنود والسفن وحاملات الطائرات والغواصات والقواعد الحربية التابعة للناتو والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، في الوقت الذي لا يجد فيه المواطنون الكمامات الواقية، وأجهزة التنفس والمستشفيات والكوادر الطبية الكافية لإنقاذ حياتهم من الوباء. بل ويسطو بعضهم كالعصابات على الاجهزة الطبية والأدوية. هذا المشهد رسمته الراسمالية على مدى العقود الماضية وهذا ما أدت اليه حمى سباق التسلح.