ربما سنراهم قريبا في شوارع بيونغ يانغ، حاملين صور القائد كم جونغ أون هاتفين بحياته وحياة كوريا الشمالية. ولن يكون من المستبعد ساعتها أن يقولوا لنا بأنهم فعلوا ما فعلوا تعبيرا عن كرههم لأمريكا ونصرة لمن يتحداها ويرفض الخضوع لها، وأنه لولا صمود الكوريين الشماليين وقائدهم ووقوفهم بوجه الامريكان لكان مصير التونسيين الآن شبيها بمصير الهنود الحمر.
وسوف لن يهمهم حينها أن يكون شعب تلك الدولة مكمم الأفواه وفاقدا لأدنى الحقوق الآدمية، مادام زعيمه الفذ مصمما على القول بأنه يحارب الوحش الكوني:أميركا فأسهل ما يمكن أن يفعله الاعضاء التسعة والعشرون لاتحاد نقابات العمال في تونس، الذين وصلوا الاسبوع الماضي دمشق، والتقوا بشار الاسد، هو أن يجدوا أي شماعة يعلقون عليها مواقفهم وأعمالهم.
وآخر ما قد يثيرهم أو يشغلهم هو أن يعرفوا إن كان الواقف فوق قاسيون قد ارتقى فوق حشد من الجماجم والأشلاء والأنقاض، حتى يبدو شامخا ومهابا أم لا. ولأجل ذلك فقد تسابقوا للقاء بشار حاملين له باقات الكلام الوردي الناعم، واستمعوا له بانتباه وهو يطمئنهم على انه مرتاح البال وينام ملء جفونه قرير العين، ولا يرى أن الحياة في دمشق تختلف عن أي عاصمة مستقرة ومزدهرة في العالم. لقد قال الامين العام المساعد للاتحاد، وهو رئيس الوفد النقابي الزائر، في حديث لتلفزيون «الميادين» إنه نقل للرئيس السوري «تحيات الشعب التونسي والرسالة الوحيدة من كل الشعب التونسي ومن كل العمال والنقابيين في تونس، بأننا مع سوريا قلبا وقالبا ونساندها في هذه الحرب ونتمنى لها أن تنجح». ولم يكن ممكنا بالطبع لبوعلي المباركي أن يقول شيئا آخر كأن يسأل مضيفه مثلا عن ملايين القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين والسجناء، الذين ذهبوا ضحية حربه المجنونة، وعما إذا لم يكن من الأفضل والأجدى لو أنه لم يأمر حرسه ودباباته وشبيحته بأن تسحق من دون شفقة أو رحمة أولى المظاهرات التي خرجت للمطالبة برحيله، وسلك بدلا من كل ذلك طريقا آخر للرد عليها؟ ولم يكن ممكنا أو مقبولا أيضا أن يقول له ولو بشكل عابر إن كان يشعر بينه وبين نفسه بوخز الضمير وبأنه مسؤول عن مئات آلاف الأرواح البريئة التي أزهقت، ارضاء لغروره وشهوته في البقاء بأي ثمن في السلطة؟
وبالمثل فإن كل ما ردده باقي أعضاء الوفد أمام بشار وأمام وسائل الاعلام الحكومية لم يختلف كثيرا عن كلام المباركي، فقد ذكروا هم ايضا بانهم جاءوا «للوقوف إلى جانب أشقائنا وشعبنا في سوريا، ودعمه في مواجهة خطر الإرهابيين اعداء الحياة» مثلما صرح بذلك حسين العباسي الأمين العام السابق، الذي استلم قبل عامين جائزة نوبل للسلام، وأنهم يشيدون بسورية «قلعة النضال التي أفشلت بصمودها كل ما حيك ضدها» على حد تعبير عبد السلام جراد الامين العام الاسبق للاتحاد زمن بن علي. ولكن أخطر تصريحاتهم ربما كانت تلك التي قالها واحد من أعضاء الوفد النقابي من «أننا لم نأت لنساعد سورية وإنما لنشكرها جيشا وشعبا وقيادة لأنكم خضتم الحرب عن كل أحرار العالم، وعندما تتقدمون خطوة يتقهقر دعاة الإرهاب عندنا»، وأنه» لو سقطت سورية لنصبت لنا المشانق في تونس». وهو ما يعني أن تونس التي يعدها الجميع مثلا ونموذجا فريدا في محيطها العربي، لم تنجح لانها اختارت الحوار والتوافق والديمقراطية، بل فقط لأن حاكما مستبدا لدولة عربية تبعد عنها آلاف الاميال، داس الحوار والديمقراطية في بلده بالجزمة، وقرر سحق كل من يعارضه ولو أدى ذلك إلى تفريغ البلد من سكانها . لكن من كان سينزعج حقا في تونس من نجاح الثورة في سورية؟ وهل كانت ستنصب المشانق حينها؟ أم ستقام على العكس الاحتفالات؟ وما العلاقة بين السقوط المزعوم لبشار الأسد والمشانق والفوضى في تونس؟ لقد شرح عضو في المكتب التنفيذي لاتحاد العمال ما لم يفصله صاحب التصريح، وأخبر التونسيين في حديث لإحدى المحطات الاذاعية المحلية بأن «بشار والسوريين ليس لهم حقد على تونس، ورغم ما وقع من القلة ومن بعض الساسة، فإن السوريين ما يزالون يرحبون بالتونسيين» قبل أن يضيف أنه «على التونسيين الاعتذار للشعب السوري عن الفظاعات التي ارتكبت في حقه من طرف ما يقرب من 6000 ارهابي داعشي تم تسفيرهم من تونس، فضلا عن القرار المتسرع بقطع العلاقات مع سورية». إن الأمر أشبه بالأحجية الصعبة فمن يصدق أن نجاح التجارب الديمقراطية في سورية وحتى ليبيا ومصر كان يمكن أن يعود بالشر والوبال على تونس؟ ألم يكن مثل ذلك النجاح سيزيدها على العكس قوة وصلابة، وسيفتح في وجوه آلاف من شبابها العاطل واليائس ابواب الحياة، بدل ابواب الموت التي أشرعت دفعة واحدة في وجهه؟ ثم ألم يكن وجود ديمقراطيات عربية اخرى مفيدا استراتيجيا وماليا واقتصاديا للتونسيين، وحفاظ المستبدين العرب على عروشهم علامة شؤم وتهديد مستمر لهم ولثورتهم؟ لا شك أن من يناصر المستبدين لن يعدم مبررا للتقرب منهم كالحرب على الارهاب، أو الحفاظ على الدولة، أو حتى معاداة أميركا والإمبريالية. وربما لو عرف وزير الخارجية التونسي حين تساءل اواخر الشهر الماضي في حديث لصحيفة «لابراس»، «لماذا نذهب نحن التونسيون إلى السوريين لتقديم طلب في تعيين سفير تونسي هناك، رغم أن الحكومة السورية لم تطلب ذلك»؟ إن سبب كل تلك اللهفة على عودة العلاقات مع بشار هو أن هناك تونسيين يعتقدون أن بقاءه في منصبه الخالد هو شرط أساسي لبقاء تونس الناجحة والمستقرة. ومادامت مشكلة هذا الصنف من البشر هي أن عقولهم معدلة على الاستبداد، فلا تستغربوا منهم أن يقولوا لكم غدا إن سقوط كم جونغ أون في كوريا الشمالية سيسبب مأساة وكارثة كبرى لتونس مثلما قالوا لكم اليوم إن بقاء بشار هو من حمى تونس وحفظها من كل الشرور المعلومة والمجهولة. منقول
وسوف لن يهمهم حينها أن يكون شعب تلك الدولة مكمم الأفواه وفاقدا لأدنى الحقوق الآدمية، مادام زعيمه الفذ مصمما على القول بأنه يحارب الوحش الكوني:أميركا فأسهل ما يمكن أن يفعله الاعضاء التسعة والعشرون لاتحاد نقابات العمال في تونس، الذين وصلوا الاسبوع الماضي دمشق، والتقوا بشار الاسد، هو أن يجدوا أي شماعة يعلقون عليها مواقفهم وأعمالهم.
وآخر ما قد يثيرهم أو يشغلهم هو أن يعرفوا إن كان الواقف فوق قاسيون قد ارتقى فوق حشد من الجماجم والأشلاء والأنقاض، حتى يبدو شامخا ومهابا أم لا. ولأجل ذلك فقد تسابقوا للقاء بشار حاملين له باقات الكلام الوردي الناعم، واستمعوا له بانتباه وهو يطمئنهم على انه مرتاح البال وينام ملء جفونه قرير العين، ولا يرى أن الحياة في دمشق تختلف عن أي عاصمة مستقرة ومزدهرة في العالم. لقد قال الامين العام المساعد للاتحاد، وهو رئيس الوفد النقابي الزائر، في حديث لتلفزيون «الميادين» إنه نقل للرئيس السوري «تحيات الشعب التونسي والرسالة الوحيدة من كل الشعب التونسي ومن كل العمال والنقابيين في تونس، بأننا مع سوريا قلبا وقالبا ونساندها في هذه الحرب ونتمنى لها أن تنجح». ولم يكن ممكنا بالطبع لبوعلي المباركي أن يقول شيئا آخر كأن يسأل مضيفه مثلا عن ملايين القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين والسجناء، الذين ذهبوا ضحية حربه المجنونة، وعما إذا لم يكن من الأفضل والأجدى لو أنه لم يأمر حرسه ودباباته وشبيحته بأن تسحق من دون شفقة أو رحمة أولى المظاهرات التي خرجت للمطالبة برحيله، وسلك بدلا من كل ذلك طريقا آخر للرد عليها؟ ولم يكن ممكنا أو مقبولا أيضا أن يقول له ولو بشكل عابر إن كان يشعر بينه وبين نفسه بوخز الضمير وبأنه مسؤول عن مئات آلاف الأرواح البريئة التي أزهقت، ارضاء لغروره وشهوته في البقاء بأي ثمن في السلطة؟
وبالمثل فإن كل ما ردده باقي أعضاء الوفد أمام بشار وأمام وسائل الاعلام الحكومية لم يختلف كثيرا عن كلام المباركي، فقد ذكروا هم ايضا بانهم جاءوا «للوقوف إلى جانب أشقائنا وشعبنا في سوريا، ودعمه في مواجهة خطر الإرهابيين اعداء الحياة» مثلما صرح بذلك حسين العباسي الأمين العام السابق، الذي استلم قبل عامين جائزة نوبل للسلام، وأنهم يشيدون بسورية «قلعة النضال التي أفشلت بصمودها كل ما حيك ضدها» على حد تعبير عبد السلام جراد الامين العام الاسبق للاتحاد زمن بن علي. ولكن أخطر تصريحاتهم ربما كانت تلك التي قالها واحد من أعضاء الوفد النقابي من «أننا لم نأت لنساعد سورية وإنما لنشكرها جيشا وشعبا وقيادة لأنكم خضتم الحرب عن كل أحرار العالم، وعندما تتقدمون خطوة يتقهقر دعاة الإرهاب عندنا»، وأنه» لو سقطت سورية لنصبت لنا المشانق في تونس». وهو ما يعني أن تونس التي يعدها الجميع مثلا ونموذجا فريدا في محيطها العربي، لم تنجح لانها اختارت الحوار والتوافق والديمقراطية، بل فقط لأن حاكما مستبدا لدولة عربية تبعد عنها آلاف الاميال، داس الحوار والديمقراطية في بلده بالجزمة، وقرر سحق كل من يعارضه ولو أدى ذلك إلى تفريغ البلد من سكانها . لكن من كان سينزعج حقا في تونس من نجاح الثورة في سورية؟ وهل كانت ستنصب المشانق حينها؟ أم ستقام على العكس الاحتفالات؟ وما العلاقة بين السقوط المزعوم لبشار الأسد والمشانق والفوضى في تونس؟ لقد شرح عضو في المكتب التنفيذي لاتحاد العمال ما لم يفصله صاحب التصريح، وأخبر التونسيين في حديث لإحدى المحطات الاذاعية المحلية بأن «بشار والسوريين ليس لهم حقد على تونس، ورغم ما وقع من القلة ومن بعض الساسة، فإن السوريين ما يزالون يرحبون بالتونسيين» قبل أن يضيف أنه «على التونسيين الاعتذار للشعب السوري عن الفظاعات التي ارتكبت في حقه من طرف ما يقرب من 6000 ارهابي داعشي تم تسفيرهم من تونس، فضلا عن القرار المتسرع بقطع العلاقات مع سورية». إن الأمر أشبه بالأحجية الصعبة فمن يصدق أن نجاح التجارب الديمقراطية في سورية وحتى ليبيا ومصر كان يمكن أن يعود بالشر والوبال على تونس؟ ألم يكن مثل ذلك النجاح سيزيدها على العكس قوة وصلابة، وسيفتح في وجوه آلاف من شبابها العاطل واليائس ابواب الحياة، بدل ابواب الموت التي أشرعت دفعة واحدة في وجهه؟ ثم ألم يكن وجود ديمقراطيات عربية اخرى مفيدا استراتيجيا وماليا واقتصاديا للتونسيين، وحفاظ المستبدين العرب على عروشهم علامة شؤم وتهديد مستمر لهم ولثورتهم؟ لا شك أن من يناصر المستبدين لن يعدم مبررا للتقرب منهم كالحرب على الارهاب، أو الحفاظ على الدولة، أو حتى معاداة أميركا والإمبريالية. وربما لو عرف وزير الخارجية التونسي حين تساءل اواخر الشهر الماضي في حديث لصحيفة «لابراس»، «لماذا نذهب نحن التونسيون إلى السوريين لتقديم طلب في تعيين سفير تونسي هناك، رغم أن الحكومة السورية لم تطلب ذلك»؟ إن سبب كل تلك اللهفة على عودة العلاقات مع بشار هو أن هناك تونسيين يعتقدون أن بقاءه في منصبه الخالد هو شرط أساسي لبقاء تونس الناجحة والمستقرة. ومادامت مشكلة هذا الصنف من البشر هي أن عقولهم معدلة على الاستبداد، فلا تستغربوا منهم أن يقولوا لكم غدا إن سقوط كم جونغ أون في كوريا الشمالية سيسبب مأساة وكارثة كبرى لتونس مثلما قالوا لكم اليوم إن بقاء بشار هو من حمى تونس وحفظها من كل الشرور المعلومة والمجهولة. منقول