الخميس، 28 نوفمبر 2013

الدول المبنية على المذهب الباطني


الدول المبنية على المذهب الباطني

منقول
في منتصف القرن الثالث الهجري ومن بلدة "السلميَّة "انطلقت الدعوة الباطنية وسُميت
 باطنية لقول المنتسبين إليها: إن لكل ظاهر باطنا ولكل تنزيل تأويلا، وانطلقت هذه الدعوة بطريقة سرية تدعو لعقائد مخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وعقيدة المسلمين عامة، وتنص على طاعة أئمة تزعم أنهم معصومون وأنهم أولى من غيرهم من الناس بالحكم لأنهم - كما يزعمون - مُنصَّبون من الله وإن الإيمان بهم هو كالإيمان بالله ورسوله، وإن جُحود إمامتهم كفر مخرج من الملة.
ثم تجلى هذا المشروع الباطني - الدعوة الباطنية - على شكل عدة دول سادت وبسطت نفوذها على الجزء العربي من العالم الإسلامي وهي كالتالي:
 دولة القرامطة
  تأسست سنة278هـ، وسُميت بهذا الاسم نسبة لحمدان بن قرمط زعيم الدعوة في البصرة الذي أرسل أبا سعيد الجنابي إلى الأحساء والقطيف فنشر الدعوة وأسس الدولة القرمطية التي اتسعت بعد ذلك فشملت أغلب أرجاء الجزيرة العربية وجنوب العراق، وكانت تقطع القوافل بما فيها قوافل الحجيج، فتسلب الأموال وتسفك الدماء، حتى إن نساء القرامطة كُن يُجهزن على الجرحى والأطفال فيمعنَّ فيهم تقتيلا وذلك من فرط ما أُشربوا من حقد وكراهية على المسلمين.
وفي عام 317 غزا القرامطة المسجد الحرام وسفكوا الدماء وذبحوا الآمنين في الحرم، قال الإمام الذهبي: «استباح أميرهم أبوطاهر القرمطي الحجيج كلهم في الحرم، واقتلع الحجر الأسود، وردم زمزم بالقتلى، وصعد على عتبة الكعبة، يصيح:
أنا بالله وبالله أنا
يخلق الخلق وأفنيهم أنا
ثم نقلوا الحجر الأسود إلى الأحساء وبقي هناك نحو عشرين عاما إلى أن رد عام 339هـ.
 الدولة الفاطمية
  تأسست عام 297 في شمال إفريقيا في شرق الجزائر حاليا ثم أنشأ أول زعمائها عبيدالله المهدي مدينة المهدية في تونس وجعلها عاصمة حكمه، وبلغت هذه الدول في أوج اتساعها أجزاء واسعة من المغرب العربي ومصر والحجاز والشام وصقلية وكان لها نفوذ قوي في السودان، وامتد نفوذهم إلى بغداد حتى خُطِب للفاطميين في عاصمة العباسيين سنة كاملة بعد تشيع أبي الحارث البساسيري أحد القادة العسكريين العباسيين الذي ثار على الخليفة واستولى على بغداد وطرد الخليفة منها عام 450 وأعلن الخضوع للدولة الفاطمية، فسميت هذه الحادثة في كتب التاريخ فتنة البساسيري.
وفي زعيمهم قال أبوهانئ الأندلسي:
ما شئتَ لا ما شاءَتِ الأقدار
فاحكمْ فأنتَ الواحد القهار
فكأنما أنت النبي محمد
وكأنما أنصارك الأنصـار
 الدولة البويهية
نسبة للأسرة البويهية التي حكمت غرب إيران سنة321هـ وامتد نفوذها إلى العراق وأصبح الخليفة العباسية ألعوبة في يدهم لا يحكم حتى قصره، وقد شجعوا الفتنة الطائفية، وإن اختلفت الدولة البويهية في بعض التفاصيل العقدية عن بقية الدول الأخرى، إلا أنها بالجملة إحدى مكونات المشروع الباطني، وفيهم يقول المؤرخ ابن كثير: إنهم «أعلنوا لعن الخلفاء الراشدين الثلاثة وكانت الطبول تضرب في بغداد ونحوها من البلاد يوم عاشوراء ويُذرُّ الرماد في الطرقات ويُظهر الناس البكاء ويَمتنع الرجال عن شرب الماء ليلتَئذٍ موافقة للحسين لأنه قتل عطشان، وتخرُج النساء حاسرات عن وجوههن فينُحن ويلطِمن وجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة والهتكات المخترعة».
 الدولة الصليحية
: نسبة إلى مؤسسها علي بن محمد الصليحي وقد قامت في اليمن عام 429هـ ابتداء من مدينة مسار ثم زَبيد إلى أن استطاع الصليحي توحيد اليمن جميعها تحت رايته، وكانت هذه الدولة تدين بالولاء السياسي والعقدي للدولة الفاطمية.
 دولة الحشاشين
مؤسسها حسن بن الصبَّاح الحميري الذي نشأ في الري (طهران) ودرس بالأزهر عندما كان ينشر الدعوة الباطنية، وخالف ما فعله الوزير الفاطمي القوي بدر الجمالي من نقل الإمامة الفاطمية من الأخ الأكبر إلى الأصغر ابن أخت الوزير، فخرج من مصر باتجاه الشرق وأخذ يبث دعوته ويبحث له عن موطن قدم في القلاع الموجودة في الأماكن الوعرة حتى استقر في قلعة الموت سنة483هـ.
واعتمد الحشاشون أساليب العنف والاغتيالات وتمكنوا من قتل العديد من الأمراء من أهمهم الأمير مودود الحاكم الموصل، وقد حاولوا اغتيال صلاح الدين نفسه أكثر من مرة ولكنه لم يُصب سوى بجروح خفيفة بفضل الله ثم بفضل الدروع التي كان يرتديها، ثم اتخذ صلاح الدين بعد ذلك احتياطات مشددة للحفاظ على حياته، من ذلك أنه كان ينام في برج خشبي أُقيم خصيصا له ولم يكن يسمح لأحد الاقتراب منه إلا بإذن 
.شخصي منه
لقد مثلت هذه الدول مجتمعة مكونات المشروع الباطني السياسي والعقدي الذي أضر بالأمة وكلفها ثمنا باهظا من الدماء والأموال وأشغل الأمة بالصراعات الداخلية وتسبب في ضعف اللحمة الداخلية.
وختاما فليس المقصود من المقال الحديث عن هذه الدول ولا عن عقائدها وإلا لطال بنا المقام، وإنما المقصود ذكر وقائع حدثت بالفعل تُبين كيف تسلل في غفلة ما المشروع الباطني إلى أن هيمن على أهم حواضر البلاد الإسلامية حتى لا تكاد تجد بلدا في العالم العربي خارج تأثير هذا المشروع بشكل مباشر أو غير مباشر.
والناظر في الواقع المعاصر يرى مدى التشابه بين المشروع الباطني القديم والمشروع الباطني المعاصر الذي ترتسم ملامحه من خلال ابتلاعه الدول العربية الواحدة إثر الأخرى.

حكم ‘الأسدين’: ‘التمرّد السوري’: المغامرة العلوية التي حملت بذور دمارها.

منقول
عرض لكتاب التمرد السوري تأليف د.فؤاد عجمي 

        رؤية لسوريا والطائفة العلوية وتاريخها واستيلائها على الحكم في ظل ثورة الحرية والكرامة .

(تعليق يونس قاسم : شكراً للدكتورفؤاد عجمي مؤلفاً ،شكراً أحمد الشنبري مترجماً ،شكراً محمد منصورمستعرضاً ، شكراً عبد السلام العمري ناشرأ الإستعراض على الفيسبوك )


ربما كان من حسن حظ مولف كتاب (التمرد السوري) الصادر حديثا عن دار (جداول) في بيروت بترجمة أحمد الشنبري، أن مؤلفه البروفيسور والأستاذ الجامعي الأمريكي فؤاد عجمي، هو لبناني الأصل وشيعي من أبناء الجنوب… وبعيداً عن هذا الانتماء، فهو يحمل في تاريخه العلمي والأكاديمي، سيرة حافلة بالعمل والبحث العلمي المعمق في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، إلى درجة دفعت (شارلز هِل)، العضو البارز في معهد هوفر والرئيس المشارك في مجموعة عمل (هوبرت وجين داويت عن الإسلام والنظام الدولي) إلى التساؤل في معرض تقديمه لهذا الكتاب: ‘من يستطيع سوى فؤاد عجمي ان يصور هذه الحالة السورية الفريدة عبر العصور والطبقات ذات التعقيد السياسي الثقافي؟!’.
فهذا الانتماء وتلك السيرة، ربما يجعلان فؤاد عجمي بمنأى عن الاتهامات الجاهزة التي يمكن أن تجرها عليه هذه القراءة الشفافة، شديدة الجرأة والوضوح التي يقدمها للواقع السوري الذي أنجب الثورة، والتي قد تصطدم تصادماً عنيفاً، مع تلك (الرومانسية الوطنية) التي ينظر فيها الكثير من المثقفين أو غير المثقفين المنضوين تحت لواء الثورة السورية الحالية، حين يرون أن حكم الأسد، لم يكن حكماً علوياً طائفياً خالصاً، وأن الشبيحة ينتمون لكل الطوائف، وأن: (الطائفة الكريمة) بريئة من آثام هذا النظام ماضياً وحاضراً!

شعب ذو كرامة!

يلخص فؤاد عجمي في البداية رؤيته لهذه الثورة بعبارات مقتضبة وبليغة تلتمع في ثنايا نصه السردي البديع، المفعم بالمعلومات والأفكار والاستنتاجات التحليلية التي تقودها قراءة منهجية لتناقضات واقع تاريخي حافل بالصراع والاستبداد والفساد. يقول في الفصل الأول من الكتاب الذي حمل عنوان (الوارث):
‘إن السوريين الذين عانوا كل بلاء، لم يريدوا أن يُحكموا بأطفال بشار، بالطريقة نفسها التي حُكموا بها من قبل بشار، او كما حكم آباؤهم من قبل والد بشار’ ويتابع في موضع آخر:
‘أراد شعب ذو كرامة شيئاً أكثر من هذا النظام الكئيب القائم على الديكتاتورية والنهب’ موضحاً قبل ذلك:
‘هناك قوة لا تقاوم اصدمت بشيء لا يمكن تحريكه. لم يستطع النظام أن يخيف السكان، والناس لم يستطيعوا التخلص من هذا النظام المتغلغل الذي بناه الأسد الأب، كأكثر دولة أمنية مخيفة في الشرق العربي’.
ولكي يدرك القارئ كيف بنى الأسد الأب هذه الدولة الأمنية المخيفة التي غدت ‘شيئا لا يمكن تحريكه’ حتى عندما تصطدم بقوة احتجاحية هائلة، لا بد أن نفهم التركيبة الدينية والتاريخية للعصبة التي قام عليها هذا النظام، كما يفعل فؤاد عجمي حين يذهب في الفصل الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان: (وقدم أهل الجبل) إلى دراسة تاريخ العلويين وجغرافية بيئتهم وطبيعة عقائدهم، وكيف قفزوا إلى السلطة.
عزلة صنعتها العقيدة!
يرى فؤاد عجمي أن التاريخ لم يكن (رفيقاً بالعلويين) فقد كانوا جماعة جبلية انعزالية وفقراء، وظهروا كفرقة منشقة عن المذهب الشيعي منذ أكثر من ألف عام، وأن فقهم كان: ‘خليطاً من العناصر الأفلاطونية الجديدة والغنوصية المسيحية والإسلام والزردشتية’ ويوضح أن عقيدتهم التي كانت في نظر السنة والشيعة معاً تتسم بالغلواء الشديد بسبب تقديسهم لعلي الذي تجاوز حدود الإسلام، لم تستطع أن تجد موطئ قدم لها إلا في الجبال المنعزلة: ‘كان الموطن الجبلي المكان الآمن لكي يعيشوا ويمارسوا عقيدتهم. كان للنصيرية موطئ قدم في بغداد وحلب ولكن هؤلاء اختفوا بسرعة’.
العقيدة التي لم تستطع أن تصمد في مدن حضرية، وجدت في التقية ضرورة أساسية لها. ليس التقية مع المحيط فحسب بل مع كل زائر يحاول أن يعرف: ماذا يعبد هؤلاء؟! ويستحضر فؤاد عجمي صورة لهذه الجماعة في منتصف القرن التاسع عشر يصفها بأنها: (لا تمحى) وجدها في كتاب (البلاد والكتاب) لمؤلفه الأميركي (و. دبليو. أم. تومسون) الذي حرره عام 1857 ففي إحدى رحلاته إلى سوريا وفلسطين وصل إلى جبال النصيرية ووصفهم بأنهم كانوا لغزاً بالنسبة إليه.. ومميزي الخلقة، يختلفون بشكل جذري عن العرب وكأنهم ينتمون إلى جذور مختلفة، كان من المستحيل التأكد من عددهم وقد قدر عددهم بـ ‘أكثر من مئتي ألف’ وقد وصف المهارة التي يستخدمونها لتجنب أي تخمين عن أسرار ديانتهم بأنها ‘أمر أثار دهشته دائماً’ وقد استفسر تومسون من رجل عجوز من هذه الجماعة عن نوع الناس الذين يسكنون هذه الجبال فأجاب: ‘آه.. فلاحين’. كان تومسون يعرف أنهم فلاحون، ولكن كان يسأل عن عقيدتهم، أجابه العجوز: ‘دين! ما حاجة الفلاحين للدين؟’ كان تومسون أكثر إصراراً، وسأله: ‘من هو النبي الذي تتبعون؟’ أجاب العجوز: ‘إلى حد ما نحب علياً.. وكذلك نحب عيسى المسيح’ هذه الملاحظة حول عيسى المسيح قالها بعد أن ذكر له تومسون انه مسيحي، وقال أنهم يحبون عيسى المسيح وأن: ‘ديننا مذكور في العهد الجديد’!
خلال القرن التاسع عشر نزل النصيريون إلى السهول ليزرعوا الأرض للملاك الغائبين في اللاذقية ومقاطعة حماه. ويقول عجمي: ‘كانوا دائماً ينزلون ولا يصعدون أبداً، كان ذلك تعبيراً عن بؤس حياة الجبال’.
إهمال العثمانيين واحتضان الفرنسيين!
عندما وجد العثمانيون النصيرية في عزلتهم نعتوهم بـ ‘الملة الضالة’ كان من العبث أن يحاول العثمانيون إدخالهم في مجتمعهم، فبعد حملة أو حملتين، تركوهم في سلام… وعند انهيار الإمبراطورية العثمانية لم يحظَ النصيريون بأكثر من تغيير اسمهم إلى اسم أفضل فصاروا (العلويون). وعندما وصل الانتداب الفرنسي اختص سوريا ولبنان بسياسة واضحة تجاه الأقليات، سياسة (فّق تسُد) فمنحت دولة للعلويين وأخرى للدروز. يقول المؤلف مستشهداً بالمؤرخ ألبرت حوراني: ‘استمتعت المشاعر العلوية بهذا الاستقلال الذاتي وأرادت أن تبقى بعيدة عن القوميين في دمشق’.
لم تستطع فرنسا أن تلتزم بوعود الاستقلال التي أعطتها للأقليات. ففي عام 1936 وضعت الاتفاقية الفرنسية – السورية حداً لاستقلال هاتين الجماعتين، بعد أن حصلت النخب السياسية الوطنية التي خاضت معارك الاستقلال السياسي على مبتغاها. ولهذا يناقش فؤاد عجمي هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العلويين بطريقة خاصة يقول:
‘لا زال هذا التاريخ موضع جدل. فالنخبة القومية في دمشق تكتبه بالمعيار المألوف المتوقع: إن الإرادة الوطنية قد تغلبت، ومخططات القوة الخارجية أحبطت. ولكنه كان تاريخاً أكثر تشويشاً: ليس هناك رأي موحد في الجبل العلوي او جبل الدروز. كان هناك اتحاديون رحبوا بالنظام الجديد وكانوا منجذبين للقومية السورية وقد توصلوا إلى هذه المشاعر من خلال قراءة واقعية لتردد فرنسا وتذبذبها. ولكن ثقل التفضيل كان مع الاستقلال الذاتي تحت الحماية الفرنسية. لم يكن لديهم ثقة بأن النخبة الحضرية ستمنحهم العدالة والاهتمام، فبالنسبة إلى الأغلبية بين الجماعات الصغيرة كانت هذه القومية غطاء لسيادة السنة ‘ويضيف في موضع آخر’ إن المشاعر العلوية المعادية للسنة لم تكن مجرد امتعاض فكري تجاه مركز سياسي بعيد، وإنما ضغينة حقيقية جداً’ ولعل ما يؤكد تلك المشاعر، العبارات التي تضمنتها العريضة التي رفعت إلى فرنسا، والتي وقعها ستة من أعيان العلويين متوسلين عدم خروج فرنسا من سوريا وعدم إنهاء دولتهم: ‘إن الحكم البرلماني الذي وعد به القوميون ليس أكثر من مظاهر كاذبة لا قيمة لها، إن روح العداء المغروسة في قلوب العرب المسلمين عن كل شيء ليس مسلماً لا تقدم للعلويين سوى التهديد والتسلط والإبادة’… وصولا إلى النص الأكثر إثارة الذي يتحدث فيه العلويون عن اليهود بالطريقة التالية:
‘هؤلاء اليهود الطيبون في فلسطين قدّموا للعرب التحضر والسلام ونثروا الذهب وأسسوا الرخاء في فلسطين بدون ان يضروا أحداً أو يأخذوا أي شيء بالقوة، ومع هذا أعلن المسلمون الحرب المقدسة ضدهم، ولم يترددوا في قتل نسائهم وأطفالهم’!!
حين يعرّف فؤاد عجمي بأحد الموقعين على هذه العريضة وهو سليمان الأسد والد حافظ الأسد شخصياً، يعلق بالقول:
‘لم يكن سليمان الأسد وهو يناشد قوات الانتداب ضد وحدة سوريا، أن يتخيل الانتصار الذي ينتظر ذريته’.
سوريا بعد الاستقلال: محاولات الدمج!
يعترف فؤاد عجمي أن النخبة الحضرية التي سيطرت على سياسة الدولة السورية الناشئة (ويقصد بها الحكم الوطني المديني بعد الاستقلال) لم تقدم تنازلات للأقليات… لكنها في الوقت نفسه لم تمارس اضطهاداً أو عزلاً، بل على العكس من ذلك عملت على دمج العلويين في المجتمع:
‘إن النخبة الاتحادية أصرت على أنه لم يكن هناك شيء خصوصي أو مختلف حول العلويين أو الدروز او الأكراد. جميعهم سوريون كغيرهم، فهم عرب حقيقيون ومسلمون ولكنهم تخلفوا عن الركب، ولكنهم مع الوقت والتعليم سوف يندمجون في المجتمع الكبير’.
الروح القومية العلمانية التي تميز بها الحكم الوطني، مضافاً إليها هديتين حصل عليها العلويين: الأولى: فتوى الشيخ أمين الحسيني مفتى القدس التي صدرت في حزيران/ يونيو عام 1936 والتي تشير إلى أن العلويين حكماً مسلمين ولذلك يجب قبولهم بالكامل من قبل كل مسلم، وهذه الفتوى كما يعلق مؤلف الكتاب: ‘لم تكن أبدا لتقلقه فقد كان اتجاه المفتي دائما نحو الوحدة العربية’ أما الهدية الثانية فقد جاءت من الفرنسيين الذين جندوا الكثير من العلويين في جيش المشرق بعدما احتقر السنة الخدمة العسكرية وكانوا في غنى عنها… كل هذه العوامل او (الهدايا) مهدت الطريق لاستيلاء الأقلية على السلطة. ويعلق المؤلف هنا بالقول: ‘وبمجرد مرور عقدين بعد الاستقلال، كان مقدرا للجيش أن يكتسح حكم أعيان السنة وطبقة البيروقراطيين. كان النظام السياسي جاهزاً للاقتطاف وهؤلاء الرجال الجديدون القريبون بشكل خطير من بؤس الريف، لم يكن هناك ما يخسرونه.’
ويستشهد فؤاد عجمي هنا بدراسة فذة قدمها المؤرخ مارتن كريمر عن التمزق الجذري الذي انتهك الأوضاع الطبيعية: ‘ العلويون الذين كانوا ذات يوم فلاحين، حولوا محارثهم إلى سيوف، بداية أصبحوا ضباطاً عسكريين ثم استخدموا آلات الحرب للاستيلاء على الدولة. بالنسبة إلى السنّة كان ذلك اغتصاباً. كانت سوريا ميراثهم، وادخلوا العلويين إلى مشروعهم القومي، والان أصبح الغرباء سادة البلاد’ يضيف كريمر: ‘صعود العلويين أوقع السنة في حيرة فقد غدرت بهم أيديولوجية العروبة التي صنعوها بأنفسهم’.
سوريا البعثية: ثلاثة انقلابات سوداء!
الفصل الثالث من الكتاب: (زمن المؤسس) يكاد يكون أهم فصول الكتاب… لأنه يحلل بدقة كيف استولى حافظ الأسد على سورية ثم ورّثها لابنه. يطلق فؤاد عجمي لقب (سورية الجديدة) على سورية الانقلابية التي ولدت بعد انقلاب البعث في الثامن من آذار عام 1963. ليست جديدة بالمعنى الحضاري بالتأكيد، بل في شكل السلطة التي كان يجري التأسيس لها، والتي يرى أنها: ‘ولدت من فوهة البندقية’ ولكن البندقية التي حضرت في الانقلابات السابقة منذ عام 1949، أضيف لها هنا الأيديولوجيا: ‘أيديولوجيا حزب البعث لعبت دورها، أعطت الرجال الجدد اللغة التي يحتاجونها لإخفاء طموحاتهم الشخصية والطائفية’.
يميز عجمي في هذه المرحلة ثلاث انقلابات صنعت قيم السلطة الجديدة:
الانقلاب الأول 1963: كان خليطاً من الحماس الأيديولوجي والطموح، حيث تلاقى الضباط البعثيون والمنظرون الأيديولوجيون لقلب نظام الامتيازات القديم رأساً على عقب. نفذ ذلك الانقلاب رجال من أصول ريفية: إسماعيليون ودروز وعلويون وسنة من الطبقات الصغرى في المجتمع. كانت هناك العديد من الحركات الأيديولوجية المتصارعة والمتنافسة على توجه البلاد: ناصريون وشيوعيون والمؤمنون بقومية سوريا الكبرى، ولكن البعث انتصر.
الانقلاب الثاني 1966: كان مؤامرة داخل حزب تآمري. تم دفع المؤسسين جانباً، ثم طرد الأسطوري ميشيل عفلق من الحزب الذي خلقه. وقد ترك سوريا للأبد معلناً على الأشهاد أن ذلك البعث ليس بعثه، وهؤلاء الجنود ليسوا جنوده. صعدت إلى السلطة سلالة جديدة محدودة الأفق. سيطر ضابطان علويان (صلاح جديد وحافظ الأسد) على الصرح العسكري البعثي. هذان الرجلان والضباط الذين تحلقوا حولهم كما يصفهم مؤلف الكتاب – لم يعرفوا ثقافة وأساليب المدن السورية، فضلا عن باريس. أيديولوجياً: كان ذلك نظاماً متزمتاً ومعادياً للتجار والأعمال الخاصة في البلاد، وشرهاً ومتهوراً تجاه الشؤون الدينية والإقليمية. كانت طائفية النظام آنذاك بالكاد خفية: دفع العلويون الضباط الدروز والإسماعيليين جانباً، ولكنهم تركوا بعض المجال لأولئك المستعدين من بين السنة لقبول واقع سلطة العلويين. ولكن هذا النظام البعثي الجديد كان مقدراً له الانتهاء من الداخل: فالنزاع بين حافظ الأسد وصلاح جديد انتهى لصالح الأول. خلع (جديد) بذته ووضع سلطته داخل جهاز الحزب، أما (الأسد) الأكثر دهاء فقد اختار البقاء داخل الجيش وفرق الضباط، كان تبرير استيلائه على السلطة أنه (حركة تصحيحية) ضد صلاح جديد والمتزمتين!
الانقلاب الثالث 1970: قاده حافظ الأسد. الذي وفر لبلاده الاستقرار، لكن الثمن كان فادحاً.
أقوى هجاء لحكم الأسد الأب!
يقدم فؤاد عجمي في سياق تحليله للانقلاب البعثي الثالث، أفضل وأعمق تحليل لشخصية حافظ الأسد وأقوى هجاء لنظام حكمه على الإطلاق، ما سيدفعنا للوقوف في اقتباسات طويلة، تصلح لرسم بورتريه نقدي لمن اندفع السوريون في ثورتهم الحالية لتكسير تماثيله، يقول:
‘شعر السوريون آنذاك بالارتياح لثباته وانضباطه، ولكن ذلك كان تبريراً؛ وفي الواقع لم يكن سادياً في لجوئه إلى العنف، لقد كانت هناك منهجية لوحشيته وهدوء، وتعمدية في شخصيته نفسها. يقول الذين تعاملوا معه إنه لم يسبق له أنه رفع صوته ولم يكن يلجأ إلى الصراخ والتهديدات الفارغة. كان على الأحسن متحدثاً عاماً متوسط المستوى. لم يكن لديه الكثير من الحيوية والحماس خلال العقد الأول من حكمه، فوّض أمور الوحشية إلى أخيه الأصغر رفعت الذي لم يتورع عن العنف والانحطاط الشخصي. كان قد أسس لنفسه كياناً على صورته وفعل ذلك في مكر وقسوة متساويين. بنى ذلك على خلفية الحرب الباردة على نمط ديكتاتوريات أوروبا الشرقية والكتلة السوفياتية. كان هناك اضطرابات ومؤامرات واستيلاءات عسكرية على السلطة في تاريخ سوريا بعد الاستقلال، فقام بإنهاء ذلك. في دولة الأمن القومي لهذا الحاكم العسكرين وشى الابن بعائلته، وفضحت الزوجة أسرار زوجها، وعشرات الألوف أرسلوا إلى السجون السياسية، وانتشر نظام الرعب في كافة أنحاء البلاد من أكبر المدن إلى أبعد القرى’.
يتابع فؤاد عجمي تحليل شخصية حافظ الأسد ونتائج حكمه في موضع آخر فيقول:
‘حافظ الأسد حطّم بلاده، وخلفيته العلوية غذت وحركت الإرهاب. كان ابن فلاحين وانشقاقي. كانت دمشق عاصمة السلالة الأموية، مستودع العقيدة الحضرية السنية التقليدية. كان ذلك حين أحرز أولى انتصاراته عندما اندفع [الإسلام] خارج الجزيرة العربية. الأمر الذي له أهمية لانطباع سوريا عن نفسها. كانت هناك أقليات، لا أقل من 18 طائفة وجماعات عرقية، ولكن فخر المكان كان للمدن الرئيسة: حلب وحمص وحماه، وللعقيدة السنية التي غلبت على هذه المدن. كانت طبقة التجار وأعيان المدن وعائلات المسوؤلين في الدولة تعتبر سيادتها أمراً مسلماً به. لم يخطر ببال السنة بأن عسكرياً علوياً من خلفية فلاحية سوف يحكم المدن الأبية المفعمة بالحياة. كان صعوده إلى السلطة بداية من 1960 حذراً للغاية. اختبأ وراء رجال السنة كواجهة له، وبذل جهده لتطمين عائلات التجار الكبار بان مصالحهم ستكون محمية من قبل نظامه، وأنه يمكن الاعتماد عليه ضد الأيديولوجيات المتطرفة في حزب البعث والجيش. ولكونه كان دائماً على وعي بالإساءة التي تمثلها خلفيته العلوية لدى المحافظين من السنة، فقد حصل على فتوى من حليف في لبنان: الإمام موسى الصدر، بأن العلويين جزء من الشيعة الإثنا عشرية. (…) إن تقديس الإمام علي والذي هو أساس للعقيدة العلوية تم ضبطه، وحاول الحاكم نفسه أن يعمل المستطاع ليبدو منسجماً مع الممارسات السنية. كان يصلي في العلن، ويتناول إفطار رمضان برفقة علماء الدين، وأظهر التقوى المتوقعة من رجل أتيحت له الفرصة ليحكم مدينة ذات أهمية قصوى للإسلام مثل دمشق’
يتابع فؤاد عجمي تحليله الهام لكيفية سيطرة حافظ الأسد على المؤسسة الدينية فيقول:
‘ طوّع حافظ الأسد المؤسسات الدينية السنيّة لتكون تحت إرادته. فأعطى الفقهاء ميزة، ولكنه حدّ من دورهم السياسي. أكد الفقة السني على طاعة الحاكم وتحاشي الفتنة. وتقيّد الفقهاء السنة الذين عينتهم الدولة بذلك المبدأ. كان مزاج الجهاز الديني الرسمي قد شكّله رجل من نقابة رجال الدين، والذي تم تعيينه مقتياً أكبر للجمهورية عام 1964 يدعى أحمد كفتارو (1915 2004) والذي بقي في المنصب أكثر من أربعة عقود، وترقى في منصبه من خلال الرعاية السياسية، ولم يحظ بتعاطف أقرانه في المؤسسة الدينية. في عام 1971 أقدم على خرق فاضح غير مسبوق للمتعارف عليه حين قبل تعييناً في البرلمان. وقد قدم النظام وسيده العلوي الشرعية والدعم الذي احتاجه. ففي عام 1991 أعطى الإعادة الروتينية لانتخاب حافظ الأسد مسوغاً غير عادي واصفاً إياه بأنه: التزام وطني وواجب ديني’.
الأتاسي والغطاء السني!
يأتي المؤلف على ذكر الرئيس نور الدين الأتاسي، الذي أرسله حافظ الأسد بعد انقلابه (التصحيحي) إلى السجن، يقول عنه: ‘ كان [حافظ الأسد] في صراع مع صلاح جديد زميله الضابط العلوي، ونور الدين الأتاسي الطبيب ورئيس الدولة السني. الأتاسي في الحقيقة غطاء للقادة العلويين، كان الأمر أن الفائز يأخذ كل شيء في هذه اللعبة العنيفة. ثبّت الأسد حكمه وأرسل الرجلين الآخرين إلى سجن المزة. ‘ ويتابع المؤلف ملخصاً جوهر ما افرزه نظام الحكم العلوي كما يصفه ‘ يمكن القول بأن النظام بقاعدته الاجتماعية وجوهره العلوي، قد طبع دمشق بطابع ريفي. في واقع الأمر تقاطر أهل الريف على المدينة وكان هناك أيضا تحول ثقافي: استيلاء الفلاحين على السلطة’.
يمضي فؤاد عجمي في كتابه الشديد الثراء بعد ذلك، تحليل بنية النظام في عهدي حافظ وبشار الأسد، في تحالفاته الداخلية، كالتحالف مع السلطة الدينية، ومع التجار السنة من جهة، وإذكاء روح العداء للمدينة لدى الريف من جهة أخرى، أما تحالفاته الإقليمية، وصراعه الظاهري مع إسرائيل الذي جعله (شيطاناً مفضلاً) لديها، فتقود إلى تحالفاته للسيطرة على لبنان، ثم مأزق بشار الأسد فيه، وجريمة قتل الحريري، ومقايضاته الأمنية الفجة في الحرب الإرهاب، وصفاقة صفقاته مع أمريكا… دون أن ينسى تحليل جوهر السلب والنهب والفساد والطائفية، الذي طبع هذا الحكم، ووزع العلويين على أهم مرافق الدولة.. وكيف ولماذا فجر هذا الشعب الصبور الثورة أخيراً… لكنه قبل ذلك كله، ينطلق فؤاد عجمي في الفصل الأول من الكتاب، من تأمل فرضية ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أن النفوذ من سلالة واحدة يدوم لأربعة أجيال قبل أن يتلاشى… فيذهب إلى القول: ‘ من المشكوك فيه، ما إذا كانت سلالة الأسد مقدراً لها ان تستمر لأربعة أجيال ‘ وإذا كان ذلك قد بات في حكم المؤكد بعد اندلاع هذه الثورة ضد ممثل الجيل الثاني من هذه السلالة، فإن عجمي يوسع الدائرة أكثر قائلاً في الصفحة (36) من الكتاب: ‘ إن حكم العلويين غير مقدر له أن يدوم، فبالتأكيد ينقص بشار مكر أبيه، ولكن المغامرة العلوية حملت في طاتها بذور دمارها’..
البراءة المتصلبة تلد الشبيحة!
وإذا جاز لنا أن نسأل مرة أخرى: لماذا بدت المغامرة العلوية تحمل بذور دمارها؟! فإن فؤاد عجمي سيخلص جوهر الصراع برمته في تحليله العميق لجذور نشوء هذا النظام، أو نشوء الثغرة التي سمحت لهذا النظام بالتسلل:
‘ لقد أظهرت سوريا بشكل سافر، ربما أكثر من أي أرض عربية أخرى، خلل الدولة العربية ما بعد الاستعمارية. الوحدة الوطنية كانت ادعاءً، والدولة نفسها كانت غنيمة بالغَلَبة. وأُديرت من قبل فئة حاكمة تستولي على كل ما يمكن أن تنتجه البلاد. ظن الشباب (الروم الأرثوذكس والسنة والدروز والإسماعيليون والعلويون) الذين اجتمعوا قبل عقود تحت راية البعث، بأنهم سوف يبنون شيئاً أفضل من نظام الإقطاعيين والتجار ورجال الدين. كتب الجيل الأول من البعثيين نعيهم لذلك الحلم المبكر بالمثالية السياسية. لقد انبثق الشبيحة بهراوتهم وبنادقهم من بطن تلك البراءة المتصلبة’ بصيغة أخرى… يستكمل فؤاد عجمي في الصفحة (50) من الكتاب، المشهد الذي كانت نهايته ولادة عصر الشبيحة بكلمات تنطق بلسان الأغلبية السنية التي يقول في رثائها:
‘مساكين أولئك الحرفيون والتجار الصغار ورجال الدين من مصائد حماه ودمشق: طائفة مارقة من الفلاحين استولت على وطنهم. كانوا ينظرون إلى الأمة من منطلق علماني، والآن يحاولون إعادة تعريفها على أسس دينية وإخراج العلويين من الملة ‘.
تفسر هذه الكلمات معنى الاستنتاج الذي وجهه المؤلف لحافظ الأسد في الصفحة (62) حين قال: ‘حافظ الأسد حطم بلاده وخلفيته العلوية غذت وحركت الإرهاب’.
أجل… لقد حطم حافظ الأسد بدهاء بالغ، ومن بعد ابنه بحماقة بالغة؛ إيمان السوريين بعلمانية الدولة الوطنية… ذلك الإيمان الذي ترجموه قبل حكم البعث واستيلاء العلويين على السلطة، حين انتخبوا مسيحياً هو (فارس الخوري) رئيساً حقيقياً لا شكلياً – للنواب والوزراء أكثر من مرة، وحين كان رئيس أركان الجيش (شوكت شقير) قبل انقلاب البعث من الطائفة الدرزية، لكن حكم الأسد دفعهم للارتداد إلى إعادة تعريف الدولة على أسس دينية.. ولا أحد يستطيع أن يلومهم في ذلك بعد أن رأوا خلال ثورتهم الأخيرة، أبشع صور الوحشية والطائفية والتعنت وامتهان الكرامات وانتهاك المقدسات، وهي تحاول أن تقف سداً منيعاً في وجه طموحاتهم باستعادة الكرامة، وتطلعاتهم باستعادة الوطن!

الأحد، 17 نوفمبر 2013

داعش وجبهة النصرة والشباب المغرر بهم.

هكذا أسّس بشار الأسد “جبهة النصرة” و”فتح الإسلام” من سجونه وسجون حليفه المالكي

هو سجن صيدنايا… الذي يمثّل الوجه الحقيقي للديكتاتورية في سوريا… داخل أقبيته المظلمة يفقد نزلاؤه حقوقهم الإنسانية. لا بل يتحوّل السجناء في زنازينه المرعبة إلى حقل تجارب، يبتكر سجّانوهم فنون التعذيب والإهانة والإذلال… لا بل إنّ النظام الفاشي حوّلهم إلى فئران مختبرات.
طبعاً هذا السجن ليس الوحيد الذي يتمتّع بخصوصيّة الظلم والقهر والتعذيب حتى الموت في كثير من الحالات.. لا بل انّ باقي السجون والمعتقلات لا تقل عنه قسوة وبربرية، لا سيما معتقلات المخابرات الجوية، لكن الصورة المرعبة لسجن صيدنايا التي نقلتها مجلة “لو نوفيل أوبسيرفاتور” الفرنسية، تفيد بأنّ هذا السجن كانت له خصائصه المميّزة… فيه كان بشار الأسد يزجّ أعداءه السياسيين من استقلاليين أكراد ومسيحيين لبنانيين وإسلاميين، أو جنود عراقيين، واللافت في الأمر أنّ النظام الديكتاتوري استطاع بعد سنوات من سجن الإسلاميين وخصوصاً عناصر “القاعدة” أن يروّضهم ويدرّبهم على “العقيدة الجهادية” التي تتلاءم وأجندته السياسية والأمنية في المنطقة، ويرسل المئات منهم إلى العراق لمحاربة القوّات الأميركية، بعد سقوط نظام صدام حسين، ويوجّه البعض الآخر إلى البلدان المجاورة ومنها لبنان لإثارة الفتن، ونشر الفوضى وضرب الأمن الوطني لهذه الدول.
الغريب في الأمر أنّ هؤلاء “الجهاديين” الذين يمضون أشهراً طويلة في محاربة “الكفّار الأميركيين” في العراق، أو ينفّذون المهمات الأمنية الموكلة إليهم في دول الجوار، ما إن يعودوا إلى سوريا، حتى تتلقفهم المخابرات السورية وتعيدهم إلى السجن وإلى حفلات التعذيب من جديد. وإذا أرادوا الخروج مجدّداً أمامهم شرط واحد أن يلتحقوا بجماعة “فتح الإسلام” في لبنان، كعقاب لهذا البلد على طرد الجيش السوري من أراضيه، أو تأسيس ما يسمّى “جبهة النصرة” التي أنشأها بعضهم بعد شهور من خروجهم من سجن النظام.
لا ترى المجلة الفرنسية من داعٍ للحديث عن الزنازين الإفرادية التي تشبه القبور، يمكث فيها الموقوفون لثمانية أشهر، يتعرّضون لشتّى أنواع التعذيب، يعانون الجوع الدائم، يكتسبون شتّى أنواع الأمراض، يحرمهم السجّانون من الغطاء في عزّ أيام البرد وتحت سقف سجن تكسوه الثلوج، العشرات يموتون بنوبات قلبية بفعل الصدمات الكهربائية. حكايات يرويها سجناء مُفرج عنهم عن الموت بالمفرّق، أمّا المجزرة التي ارتكبها نظام الأسد في سجن صيدنايا فحدّث ولا حرج.
وفي ما يلي النص الحرفي لمقال “لونوفيل أوبسيرفاتور” لكاتبه كريستوف بولتانسكي:
“ما أن يسمعوا قرقعة المفتاح، عليهم أن يستديروا، واقفين، وجوههم الى الحائط، رافعين أيديهم، وخصوصاً من دون تحريك الرأس. وإذا التقت عيونهم عيني الحارس، فقد يتعرضون لحفلة مرتبة من الضرب. غذاؤهم يحضر في طنجرة كبيرة، تفرّغ على أكياس نايلون، وأحياناً على الأرض المليئة بالشحم والقذارة. شيء من البرغل ممزوج بصلصة بنية، كسرات خبز أرق من ورق السيجارة، تكفي للغذاء والعشاء، تقدم مرة احدة في الساعة 14. يقفل الباب ويبدأ تقاسم الطعام الذي لا يكفي، لكن السجين دياب كان يتلقى أقل من الآخرين.
في الساعة الثالثة بعد الظهر، يطفأ المصباح، وعدا ممر مسيّج يؤدي الى البهو، فليس في الزنزانة أي نافذة أو كوة. وبسبب ضيق المكان، من المستحيل التمدد على الظهر. قرابة ثلاثين معتقلاً يعيشون مكدسين في مساحة 25 متراً مربعاً. وهذا يُجبر المعتقلون على النوم على جوانبهم، أو أن يتناوبوا على النوم. بعضهم يحتل الزوايا أو على مقربة من الباب حيث يتسرب قليل من الهواء. المعتقل دياب ورث أسوأ مكان. فهو ينام قرب المراحيض المسدودة وعنده غطاءان بدلاً من ثلاثة، على الرغم من البرد القارس الذي يستمر ستة أشهر في السنة. “كل السجناء كانوا سلفيين، ما عدايي”. قال ليشرح الفارق المتمثل بهذه المعاملة التي تلقاها. فهذا الشاب الناشط اعتقل عام 2006 الى 2011 في صيدنايا، أحد أفظع المعتقلات في الأرياف، يقع ثلاثين كيلومتراً شمالي دمشق.
عش نسور معلق على رأس جبل، ارتفاعه 1300 متر. فدياب بنظارتيه المستديرتين، وبداية نبت لحيته، يبدو كأنه طالب، ها هو يعيش منذ إطلاق سراحه في اسطنبول. جالساً في فندق، قرب شارع تقسيم المشهور، يشغل حاسوبه ويشير الى الصورة المأخوذة بالأقمار الصناعية، للمبنى الرئيسي للسجن، وحوله الجدران الثلاثة، وحقول الألغام، والمسلحون المختبئون خلف المتاريس: “من المستحيل الهروب”.
وللسجن خصائص أخرى منها: هنا يرمي بشار الأسد أعداءه السياسيين: من استقلاليين أكراد، ومن مقاتلين مسيحيين سابقين من القوات اللبنانية، وخصوصاً من الإسلاميين، أعضاء القاعدة، أو جنود قدامى من العراق، أو الشيشان، أو أفغانستان.
حتى عام 2011 كان الجهاديون يشكلون ثلثي المعتقلين. خلال عقد، استخدمتهم السلطات السورية ليحاربوا القوات الأميركية في العراق أو إثارة الفتن والقلاقل في لبنان المجاور. ومنذ بداية الثورة، أطلق النظام أعداداً كبيرة من المساجين. وقادتهم يديرون حالياً المتمردين المتطرفين.
فسجن صيدنايا هو خير مثال للدكتاتورية السورية، ولا في أي مكان آخر، يمكن أن تظهر ممارسته القمعية، أو مؤامراته، وعلاقاته المضطربة بالإسلاميين. “كانوا يمارسون معنا لعبة فئران المختبرت” يقول السجين السابق ماهر أسبر (33 عاماً)، سجين قديم لجأ الى بيروت. فهذا المناضل الليبرالي من الطائفة الإسماعيلية، هو أيضاً فُصل عن رفاقه، ووضع على امتداد خمس سنوات في زنزانة “مجانين الله”: “أظن أن السلطات وضعتني مع هؤلاء لترى إن كانوا سيقتلونني”.
فماهر ودياب، وهما طالبان شابان دخلا المعترك “مع انطلاق الربيع العربي في دمشق”، في هذه المدة القصيرة التي أبدى فيها الأسد الانفتاح والتي واكبت صعوده الى السلطة، كانا يترددان الى المنتديات الفكرية النقاشية، والى الصالونات التي يتبادل فيها الحاضرون آراءهم، وأحلامهم التي لم تدم طويلاً، بعدما منعت. وأقاما موقعهما باسم “اخوة” (Fraternite)، للدعوة الى سوريا حرة ومدنية، وأسسا حزباً وتجرأا على التظاهر في دمشق. “كنا نظن أن النظام سيسقط”، كما يقول دياب. وتقرير التحقيق الدولي ألم يتهم مقربين من بشار الأسد بقتل الرئيس الحريري؟ والقوات السورية ألم تخرج من بلاد الأرز تحت ضغط الأمم المتحدة؟ إنهم يمثلون تهديداً كبيراً خصوصاً عندما ينظمون شباباً من كل الطوائف، مسيحيين، سنة، وعلويين، هذا الفرع المنشق عن الإسلام، والذي ينتمي اليه الأسد، واليه يستندون.
اعتقلا معاً، ماهر في 23 شباط 2006، دياب، بعد شهر. وتعرضا للتعذيب والوحشية، والاستجوابات في مركز المخابرات العسكرية الجوية، إحدى المخابرات الأكثر بربرية وقسوة وقدما الى الأمن القومي. اثنتا عشرة سنة سجناً لماهر، وخمس سنوات لصديقه.
وفي صيدنايا ومن باب الترحيب بالسجناء، تعمد الشرطة العسكرية على إرغام الوافدين الجدد على نزع ملابسهم، وأن يسطفوا ومن ثم يركضوا بـ”السليب”، معصوبي العيون، تحت سيل من الضرب والركل. يسمون هذا الاستقبال قطار الفرح.. كما يقول دياب. والويل لمن يتأرجح، فقد يجر الجميع الى السقوط معه، وعندها يغضب الحرس. فيضربوننا بكل ما يؤتون، بالأقدام، والقبضات، بالهوارات، بالأسلاك الكهربائية…”. وهذه الحفلة من الضرب تستمر حتى المساء ومن وسائل التعذيب “الدولاب”، أو المشنقة، حيث يُعلق سجين بشريط، متأرجحاً في الهواء تحت الصدمات، أما وسيلة “الدولاب”، فيوضع السجين داخل دولاب الشاحنة المستدير. الجسد مطوي الى نصفين، وقفا قدميه موثوقة لضرب الكرابيح الذي يمارسه الجلاد.. وعند كل إغماءة، كانوا يرشون علي الماء (كما يقول ماهر)، “يقيس طبيب نبضات قلبي ثم يستأنفون الضرب”.
يمضون ثمانية أشهر في الانفراد. في القبو، في نسيان كبير “كقبر”، بحسب دياب. إذا وقف يصطدم رأسه بالسقف، وكتفاه تلامسان الجدران. إذا تمدد تصل قدماه الى الباب. والفجوة التي تُستخدم في المرحاض تفيض “الرائحة رهيبة، كنت أنام وسط البراز”. الحراس يخبطون على الأبواب في أي مناسبة ليبقوا المعتقلين مستيقظين. فقدوا الإحساس بالليل والنهار، ثمانية أشهر تقريباً بلا نوم، من دون رؤية السماء، من دون خروج، إلا للذهاب الى المحكمة. ثمانية شهور من الشتائم والإهانات والضرب قبل أن يتم نقلهم الى زنزانة جماعية.
في سجن صيدنايا نجد كل أنواع الناس (إخوان مسلمون، عرب، إسرائيليون). أحد السجناء القدامى عدنان قصار، كان يدير في الماضي الفريق السوري للفروسية. وكان ضمن الفريق باسل الأسد الذي كان من المفترض أن يخلف والده لولا مقتله في حادث سير. في بطولة المتوسط عام 1992 ارتكب باسل سلسلة من الأخطاء كادت أن تؤدي لخسارة الفريق السوري لكن عدنان قصار تجنب الخوض في الموضوع وتحديد الأخطاء. لكن بعد ستة أشهر، استدعي ومتفجرات مخبأة في حقيبته واتهم بمحاولة اغتيال باسل أقصي عدنان قصار  ورمي في سجن تدمر وتسلم باسل قيادة رياضة الفروسية. في عام 1994، وبعد الحادث القاتل لباسل أخرج كابتن الفريق السابق، وتعرض للضرب، من قبل الجلادين و ترك جسما محكما تصب منه الدماء على بلاط غرفة التعذيب في سجن تدمر وكأنه كان مسؤولاً عن الحادث، الذي كان يجهل عنه كل شيء. ولم يعرف شيئا عن موت باسل إلا بعد خمس سنوات ومنذ ذلك الحين، وفي كل ذكرى رحيل لباسل، يُمارس عليه العنف ذاته.
بيئة أخرى تنتظر الشابين ماهر ودياب. فخلف القضبان يكتشفان الجهاديين: زملاؤهما في الزنزانة كانا يدعيان ابرهيم الضاهر كما قال أبو حفيظة، الأمير السابق عند أبو مصعب الزرقاوي، القائد السابق للقاعدة في بلاد الرافدين، محمد عياد الزمر، الحارس السابق لحرس بن لادن، أبو طلحة، أحد المسؤولين عن اغتيال المخرج الهولندي ثيو فان غوغ وآخرين. فهم ينتمون الى شبكة القاعدة أو الى أحد التابعين لها مثل “جند الشام”. وكانوا يشتبهون بهؤلاء الليبراليين باعتبارهم مخبرين بل اسوأ كفاراً. وقبل ستة أشهر ذبحوا ستة من الذين يشاركونهم السجن من مسيحيين، بعدما عمدت سلطات السجن الى وضعهم معهم. وضعوني في جحر ولا أحد منهم كان يكلمني”. يقول دياب “معظمهم يريد تصفيتي” (يضيف ماهر). و”طالبت عدة مرات بأن أعاد الى السجن الانفرادي، إذ كنت أفضل أن أكون انفرادياً. ورفض المدير طلبي”.
كان يُعتقل هؤلاء الجهاديون، غالباً، عند عودتهم من العراق، بعد حربهم على الكفار الأميركيين “أنتم أرسلتمونا الى هناك، فلماذا تعيدوننا الى السجن، صرخ أحدهم في وجه الحارس. الآخرون سلموا عبر المخابرات الأميركية في إطار برنامج “إعادة التسليم”، وهو عنوان لمحاربة الإرهاب عند مختلف الدكتاتوريات العربية. بشار الأسد يستخدم معتقله كنوع من الاحتضان، فبين 2005 و2006، عشرات السجناء، وفي طليعتهم الفلسطينيون، وشاكر العبسي، أفرج عنهم بشرط أن يذهبوا ويكونوا جماعة مسلحة هي “فتح الإسلام”، في لبنان كعقاب له على طرد الجيش السوري من أراضيه. أما الذين يرفضون بحجة أن لبنان ليس ضمن أراضي الجهاد، فكانوا يعادون الى السجن. معظم هؤلاء المقاتلين قتلوا عام 2007 في نهر البارد، في المخيم الفلسطيني في طرابلس. الأوضاع الحياتية في معتقل صيدنايا تستمر في التدهور. يشكوا السجناء الجوع، وتصيبهم الأمراض، وأشكال العنف المتواصلة. فالماء لا يأتي سوى 10 دقائق يومياً. والسجن تغطيه الثلوح حتى منتصف أيار، وهو ليس مجهزاً بالتدفئة. فمديره يفضل بيع مخزونات المازوت في السوق السوداء. والأدوية شبه مفقودة “في زنزانتنا مات لبناني بأزمة قلبية (يتذكر دياب)، وعندما بدأت نوبته أخذنا نصرخ مستنجدين للمساعدة، لكنهم أهملوا نداءاتنا. والحارس لم يفتح الباب سوى في اليوم التالي لتوزيع الطعام، وكان يعرف أن هناك شخصاً بيننا ينازع”.
في السابع والعشرين من آذار انفجر عصيان في جناح B، الطابق الثالث وهو الأكثر تعرضاً لريح الشمال وروائح المراحيض. وهذا الجناح مخصص للسجناء الذين لم يحاكموا: سلفيين في معظمهم… وهؤلاء محاربون حقيقيون خاضوا معارك في العراق وأفغانستان. كما يقول دياب.
وقد جاءت التعزيزات، وعقدت مفاوضات، السجناء يطالبون بطعام أفضل، بحق الزيارات، وإعادة بحث ملفاتهم. وقد تلقوا وعوداً، وعادوا الى زنزاناتهم. انفجار كبير آخر في 5 تموز، حطم فيه السجناء جدران زنزاناتهم، وشهروا سيوفاً، وسواطير صنعوها من الأنابيب الحديدية، وحاصروا بها قوات النظام، واتخذوا هذه المرة مئات الرهائن. حاصر الجيش السجن، وأطلق نيرانه عليهم، وقتل منهم أكثر من ستين سجيناً وخمسين جندياً.. مجزرة.
كان يومها بشار الأسد ضيف نيقولا ساركوزي كضيف شرف في احتفالات 14 تموز (…) “أنا – يقول دياب – كنت مستعداً لمقاتلة النظام حتى آخر رمق، وكذلك الجهاديين” (…).
قبل اندلاع الانتفاضة في سوريا في الخامس عشر من آذار، شاهد السجين دياب خروج طلائع الجهاديين، تُعاد محاكمتهم شكلياً وبسرعة ويُفرج عنهم بالمئات. سيغادرون معتقل صيدنايا حتى أخطرهم”. ويضيف ماهر “النظام ليس غبياً. فقد رأى ما يدور حوله وبدأ يستعد. أطلق هؤلاء الجهاديين ليفعلوا ما يفعلونه اليوم”. بعد عشرة أشهر قدامى سجناء صيدنايا أمثال أبو محمد الجولاني وأبو طلحة، وجميل زينه الملقب بـ”أبو حسين”، ينشئون “جبهة النصرة”. آخروون أمثال أبو حذيفة انضموا الى دولة العراق الإسلامية في العراق وفي المشرق”.
المجموعتان المرتبطان بالقاعدة تسيطران اليوم على مجمل شمالي سوريا. فأحمد عيسى الشيخ وحسان عبود، وهما مسجونان سابقان، يقودان “صقور الشام” و”أحرار الشام”. زهران علوش، الذي كان أثناء سجنه متهماً بالعمالة، ويقود “جيش الإسلام”. ووسائل إعلام النظام تجري معه مقابلات مستمرة في “يوتيوب”، الذي يهدد قبل عام، باستخدام السلاح الكيماوي.
أطلق سراح دياب في 3 نيسان، وصديقه ماهر، في 5 حزيران 2011. وبدلاً من أن يعملا كمخبرين في النظام، كما طلب منهما هذا الأخير، اختارا المنفى.
أما مدير معتقل صيدنايا طلعت محفوظ فقد قبض عليه الثوار في أيار الماضي وأعدموه. وعدنان قصار، المدير السابق للفريق الوطني، فهو ما زال حتى اليوم خلف القضبان”.

إنهم يحررون القدس.


حسن نصر اللات سيحرر القدس:
الأزمة السورية حولت سورية منذ سنتين إلى ملعب كرة قدم فكل دولة تدعم فريقها الذي يلعب لصالحها بالمال والسلاح والإعلام، منهم من يقول أن تحرير القدس عبر تحرير سورية ومنهم من لم ستطع مواجهة إيران في غير الساحة السورية وهكذا احتلت سورية من جميع الطوائف والأجناس والدول وعادت سورية إلى ما كانت عليه بعيد استقلالها :"الصراع على سورية" صار هو الشعار وكلهم يقول، لن نخرج من سورية، م
ادامت عوامل الاحتلال موجودة، وبقاؤنا هو تحرير القدس. وبقيت القدس وستبقى محتلة برغم أن الأبطال وعلى رأسهم بواسل الجيش السوري البطل حوّلوا سورية إلى خراب ورماد.
بالله عليكم .. لاتحرروا القدس .. ولا تحرروا سورية: حرروا أنفسكم من العمالة للغير ,حرروا أخلاقكم من الوحشية والهمجية والطائفية,حرروا فكركم الدبني من التفاهة واالتخلف,وحرروا شرفكم من المزبلة التي أغرقتموه فيها.

عزمي بشارة :"سورية :درب الألام نحو الحرية"


عزمي بشارة :"سورية :درب الألام نحو الحرية"


منقول عن النهار اللبنانية

شكلت الثورة في سوريا امتداداً لثورات تونس ومصر وليبيا وحتى اليمن، وتشابهت مع ثورة تونس في بعض مفاصل تطورها وصيرورتها قبل ان تتحول الى ثورة مسلحة.

عزمي بشارة في كتابه "سوريا: درب الآلام نحو الحرية" يتتبع يوميات الثورة السورية خلال سنتين، محاولاً استنهاض الماضي من التاريخ الراهن.
يرصد الكتاب الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في 687 صفحة، صيروة الثورة السوية وتحليلها خلال عامين بين آذار 2011 وآذار 2013، محاولاً تجاوز توثيق  الراهن الى الفهم. كما حاول اعادة انتاج تطور اعمال الاحتجاج السلمية وبنيتها وتحوّلها الى ثورة وطنية شاملة ضد الاستبداد، مثبتاً فرضية عفوية الثورة ومدنيتها وأصالتها وتجذرها في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السوري.
وبيّن انها جاءت في مجتمع مختلف بنيوياً عن الثورة في تونس او مصر، وفي مواجهة نظام امني لا ينفصل فيه الجيش والأمن عن النظام وعن البنية الاجتماعية للدولة. ولاحظ في الفصول الاولى انه جرت في العقود الاربعة الأخيرة عملية مزدوجة هي دمج البنية الاجتماعية بالأمن وصهر كليهما في جهاز الدولة، ثم عرض في فصول لاحقة العلاقة بين الطائفية والترييف وبنية الجيش السوري واجهزة النظام الامنية مفرّقاً الصحيح عن الاسطوري في ما يقال عن طائفية النظام، أو ما سمّي تداخل البنية الاجتماعية للنظام ببنيته الأمنية.
ويقول عزمي بشارة: "لا نقدر فحسب، بل نعلم أيضاً اننا ازاء ثورة مجتمع شديد التركيب والتعقيد تفجّرت ضد نظام استبدادي قمعي اعتبر حتى فترة وجيزة مستقراً نسبياً وفريداً في نمط حكمه، باعتباره نظاماً سلطوياً رثاً يحاكي الانظمة الشمولية ويقوم على نمط قاس من القمع الامني، وعلى تداخل الامن والسياسة والاقتصاد، مولّداً فساداً منتشراً من القمة الى القاعدة، الفساد في سوريا ليس استثناء يحاربه النظام او يتساهل معه، بل هو القاعدة... انه النظام".
انطلقت الحركة الاحتجاجية في سوريا بشعارات اصلاحية سياسية وجهتها قوى سياسية معارضة وهيئات مدنية مؤلفة من فئات اجتماعية شابة مغتربة عن ايديولوجية الدولة وثقافتها، وهي تتوق الى التحرر من الدولة الامنية، متأثرة بالاجواء الثورية في المنطقة العربية. لكن الزخم الشعبي للثورة جاء على خلفية اتساع القطاعات الاجتماعية المتضررة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظام، وتجاوزت هذه الفئات اول مرة حاجز الخوف الذي يحكم به النظام الامني، لأن الوضع العربي صوّر لها امكانية التغيير هذه المرة. وما ان خرجت هذه القطاعات الاجتماعية احتجاجاً على اوضاعها او تضامناً مع ابناء شعبها الذين تعرضوا للقتل والتنكيل حتى تفجرت مشاعر المذلين المهانين المتراكمة طوال عقود...
ويدحض المقولة الشائعة عن ان الثورة السورية هي ثورة أرياف مهمشة ويبرهن انها بدأت أولاً في المراكز المدينية للاطراف، ثم امتدت الى الأرياف المهمشة في ما بعد، ولعل قراءته للقاعدة الاجتماعية التي استند اليها حزب البعث هي من أعمق القراءات في هذا الحقل المعرفي فتناول عملية الترييف ونتاجها الليبرالية الاقتصادية. "ما أدى في ما بعد الى انقلاب هذه القاعدة على البعث نفسه، وصعدت جراء ذلك فئة "الذئاب الشابة"، واستقر "نظام التشبيح والتشليح".
تتبع الكتاب دينامية تطور الانتفاضة الشعبية، ثم عملية تحول الانتفاضات المحلية الى ثورة مدنية، وعملية تحول الثورة المدنية الى الدفاع الاهلي عن النفس على المستوى المحلي، ثم الى ثورة مسلحة. ويقول بشارة: "كان الخيار المسلح خيار النظام وليس خيار الثورة. فلم تكن هناك اصلا ثورة منظمة ذات قيادة مركزية تفكر في البدائل وتضع الخيارات، بل ردود فعل عفوية ضد النظام من شعب حرق جسور العودة الى الماضي... وتصاعدت ردود الفعل واتخذت اشكالا تنظيمية وواجهات سياسية تخشى النتائج وتحذّر من السلاح واخرى لا ترى بديلا منه، وثالثة تزايد في الدفع لاستخدامه. اما النظام فخطط خياره الامني بوعي كامل، وخاضه حتى النهاية متحالفا مع ايران وادواتها ومع روسيا".
ولا بد من مراجعة لحكم الرئيس السوري بشار الاسد خلال عشر سنين، حيث بدأت ارهاصات الاحتجاجات تتبرعم. وينتقل الى الشرارة في مدينة درعا، التي امتدت سلميا الى بقية المناطق، ويروي وقائعها ويحلل نتائجها في كل مدينة مثل حلب  وحماة ودمشق والرقة ودير الزور وادلب وحمص.
ويتصدى لدرس استراتيجية النظام السوري وخطابه، ويكشف وسائل الاستبداد والمجازر والخطف ومآرب الطائفية والعنف الجهادي، ثم يعرض للحراك السياسي لدى المعارضة والفاعلين الجدد (التنسيقيات) والمبادرات الدولية لحل المشكلة السورية.
يؤرخ الكتاب تمدد الثورة مدنيا، واكتساحها المناطق بعد تسلحها، متطرقا الى استراتيجية قمع الثورة وتوليد انماط عنف سياسي "غير مألوفة"، ومنها ما بدأ باعتبارها حالات اهلية من الدفاع عن النفس اتخذت لاحقا اشكال عنف مسلح ثوري وجه في معظمه ضد قوات امن النظام والجيش السوري واتخذ بعضه شكل "الجرائم الطائفية". وعرض جذور المظاهر الطائفية في النظام وفي الثورة، وأخيرا العوامل الجيواستراتيجية ومواقف الدولة المختلفة المؤثرة في مسارها.
الثورة لم تنته، والكتاب على اهمية ما جمعه عن الثورة ويومياتها وخلفياتها وتوقعاتها لم يستنفد كل ما يتعلق بها، ما يجعله مقدمة لكتب لاحقة.

السبت، 16 نوفمبر 2013

ما أحلى سقوط الأقنعة

الخامنئي ونصر اللات وأبو حسين الشيعي :


بين ليلة وضحاها تحوّلت أمريكا  الشيطان الأكبر ” إلى أميركا راعية التناغم الذي يباركه حزب الله مع إيران عند كلّ طلعة شمس ، بين ليلة وضحاها توقّف العداء المستفحل ضد ” الكيان الصهيوني البغيض ” لتتابع الأعمال العدائية ضد الشعب السوري الثائر على ظالميه ، بين ليلة ما قبل عاشوراء وليلة عاشوراء ، قرّر السيد أن يطلّ مرتين مباشرتين متتاليتين ، بدون أن يلتمس إذناً لا من الحسين الذي تستغل دوماً ذكرى مقتله للتجييش المذهبيّ المفضوح ولا من إسرائيل التي لم يعد يرهب جانبها ولم يعد في استطاعته حتى ادعاء ذلك .. وماذا بعد يا سيد ؟ خرجت وهدّدت ورفعت النبرة واستخفيت بلبنان كحالة وانتماء وكدولة ومؤسسات ، حتى خيّل لنا أنك تخطب من على منبر إيرانيّ محاطاً بملائكة الوليّ الفقيه المدججين بالسلاح المقدّس فيما الجموع تتبارك من صدى صوتك ” الأخّاذ “! وماذا بعد ؟ إسترح اليوم في الحضن الأميركي – الإسرائيلي ، واستشرس قدر ما تشاء ضد الشعب السوري وضد شعبك اللبناني لتوضح بدقة جنونك المتمادي ضدهما ولتبين مدى ما تحمّلاه منك ومن كذبك يا دجال المقاومة منذ سنوات . وطالما أنّ ” صهاينة الأمس القريب ” منحوك الأمان ، ننصحك اليوم بالقيام بزيارتين ضروريتين : الزيارة الأولى إلى خارج الضاحية الجنوبية المقفلة على سموم الحزب وشروره ، وذلك بهدف التعرّف على لبنان الحقيقيّ ، والزيارة الثانية إلى أرض المجازر التي يقترفها جنودك في سوريا ، فقط بهدف تنفيذ وعدك التاريخي ” بالتشريف ” شخصياً للجهاد ضد الأطفال والمسنين السوريين ! وإلى أن تطلّ علينا مجدداً يا سيد معتقداً أنك تخيفنا ، لا تحجب عنا ، إذا سمح تكارمك المستفيض ، تلك الوجوه الصفراء الراعدة والواعدة بقطع أيادينا والرؤوس ، لأنها تؤكّد لنا وبما لا يقبل الشك أنكم جماعة همجية , غريبة عن الوطن ،رضعت من الحقد والطائفية لكي ترتوي من دماء الأطفال والنساء والمسنين.  لبنانيون في سجلات قيودكم فقط ، ومجوس خمينيون بحسب كلً سجلات اقترافاتكم الماضية والحاضرة والآتي.

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013

عدا أميركا واسرائيل وروسيا :من أيضا سيحارب الثورة؟

تذكير لمن نسي :
الثورة لا تحارب بشار وعصابته من اللصوص وأصحاب الملايين ممن مصوا دم الشعب السوري 50 سنة.
إنها لا تحارب جيشه العقائدي وأجهزة أمنه وفرقته الرابعة وحرسه الجمهوري وحرسه الرئاسي ووحداته الخاصة وجيش الدفاع الوطني فقط.
إنها لا تحارب القاعدة:جبهة النصرة وداعش فقط .
لا .. أبداً !!!
إنها تحارب الدول والجهات التالية :
1- قوات إيرانية من الحرس الثوري والباسيج وسواها بالآلاف
2- قوات عراقية من مختلف الفصائل الشيعية  وفيلق أبو الفضل العباس ليس سوى قمة جبل الجليد من الشيعة العراقيين  بعشرات الآلاف
3- قوات حزب الشيطان اللبناني بعشرات الآلاف
4- قوات فلسطينية من الجبهة الشعبية
5- قوات من الحزب القومي السوري من لبنان .. ومعظمهم من النصارى
6- قوات من حزب الموحدين الدروز من لبنان أيضاً
7- قوات من الحوثيين من اليمن
8- ميليشيات شيعية من المنطقة الشرقية لشبه الجزيرة العربية :شرق السعودية والبحرين والهند وباكستان وأفغانستان
9- ميليشيات نصيرية من لواء الإسكندرون وجنوب تركيا
10-الميليشيات الكردية وهي بشكل أو آخر ترجع لحزب العمال ومؤسسه العلوي عبد الله اوجلان وتنشط في القامشلي وشمال كل من الرقة وحلب
11- خبراء روس مع بعض المرتزقة الروس
12- قوات كورية وأوكرانية وأرمنية وإن كان عددها  لا يتجاوز  المئات
وبالرغم من ذلك كله وبإذنه تعالى سوف ننتصر.لماذا ؟
*لأن الله وعدنا بالنصر:"إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم"
*ولأننا أحفاد الصحابة ومن لا يعرف عدد الصحابة الذين انتقلوا إلى بلاد الشام فليسأل.
*ولأننا مهد الحضارة الإنسانية منذ 10000 سنة ولن يتمكن السفاح بشار من
القضاء على هذه الحضارة.

الأنثى

   ا لحبُّ عند "آرثر شوبِّنهاور - نفى شوبنهاور عن إناث البشر أي سحر جسدي حقيقي ، وأضاف أننا نخطئ حين نطلق لفظ "الجنس اللطيف" ...