السبت، 9 مارس 2013

الذكرى الخمسون لاتقلاب 8 آذار:البعث والأسد

من يتمعّن في نصف قرن من حكم البعث لسوريا، او حكم سوريا باسم البعث، يستغرب كيف استطاع هذا البلد البقاء حيّا يرزق على الرغم من كلّ الظلم الذي تعرّض له. فخمسون عاما اكثر من كافية لتفريغ البلد من كلّ مؤسساته وكلّ ما هو حضاري فيه وحتى من شعبه. لكنّ سوريا صمدت.
الدليل على صمودها الثورة التي يقوم بها شعبها. انها أمُ الثورات العربية وابوها. انها الثورة الحقيقية الوحيدة بين الثورات التي شهدها العالم العربي ابتداء من السنة 2010. ما يؤكد ذلك صمود الشعب السوري وحيدا طوال سنتين ومتابعته المقاومة.
لا يواجه الشعب نظاما وحشيا لا همّ له سوى استعباده واذلاله فحسب، بل عليه ايضا الاستمرار في ثورته على الرغم من تآمر المجتمع الدولي عليه. عليه متابعة ثورته على الرغم من الانتهازية الممثلة بالمجموعة الحاكمة في روسيا والغرائز المذهبية التي يستخدمها النظام الايراني، بشكل مباشر او عبر العراق ولبنان، من اجل بسط سيطرته على المنطقة. لا يمكن بالطبع تجاهل التواطوء الاسرائيلي مع نظام يُعتبر بالنسبة اليه صديقا. فهو نظام اقلّوي يدرك تماما ان هناك خطوطا حمر لا يستطيع تجاوزها.
الاكيد ان مؤسسي البعث ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار كانا ساذجين إذا اسبعدنا كونهما خونة.كانا من السذاجة الى درجة انهما لم يستوعبا أنّ الانقلاب العسكري ليس ثورة، ولا يمكن ان يكون كذلك، وأنّ السلطة لا يمكن ان تبقى في يد من يغتصبها الى ما لا نهاية. لم يمتلكا ما يكفي من الثقافة الايديولوجية والسياسية لاستيعاب ان تغطيتهما الحزبية لما حصل يوم الثامن من آذار- مارس 1963 كان بمثابة ادخال لسوريا في نفق مظلم قد لا تخرج منه يوما. ارادا استخدام العسكر بغية الوصول الى السلطة، فانتهى بهما الامر ضحية العسكر وضحية مجموعة عسكرية طائفية...ثم عائلة لا علاقة لها بسورية احتكرت سوريا في نهاية المطاف.
ما نشهده اليوم في سوريا، حيث يعتبر بشّار الاسد البلد ملكا له، علما انّه لم يمتلك يوما ايّ شرعية من أي نوع كان، هو نهاية رحلة الى الداخل السوري. تأتي نهاية هذه الرحلة بعدما استمرّت رحلة الهرب الى الخارج طويلا وتوّجت بالاستيلاء على لبنان تدريجا ابتداء من العام 1976 تاريخ دخول القوات السورية اليه تحت غطاء "قوات الردع العريبة" والتي استمرّت حتى السنة 2005 ، تاريخ طرد القوات السورية من الاراضي اللبنانية .
 بدأت في الثامن من آذار- مارس 1963 عملية استيلاء طائفة معيّنة على الدولة السورية عبر ثلاثة ضباط علويين هم حافظ الاسد وصلاح جديد ومحمد عمران. تلت ذلك عملية غربلة داخل الطائفة العلوية وصولا الى احتكار حافظ الاسد للسلطة في 1970 وصولا الى حكم العائلة فقط.استطاعت العائلة، مستفيدة من المرض الطويل لحافظ الاسد، تأمين حصول عملية التوريث التي تميّزت بانتقال سوريا الأسدية شيئا فشيئا الى تحت الوصاية الايرانية الكاملة.
في كلّ مرحلة مرّت بها سوريا منذ العام 1963، كانت شعارات البعث الواجهة التي عمل النظام من خلفها لمتابعة عملية تصبّ في الغاء الدولة المدنية كلّيا وتحويل المؤسسات، مؤسسات الدولة، الى مجموعة من الاجهزة الامنية تتحكّم بكل تفاصيل الحياة في البلد.
تحت شعارات البعث، استبعد الضباط السنّة من الجيش، خصوصا اولئك الذين ينتمون الى المدن الكبيرة، وتحديدا دمشق وحلب وحمص وحماة , وتحت شعارات البعث كان انقلاب الثالث والعشرين من شباط 1966 الذي كان بداية الظهور العلني للمجوعة العلوية في الجيش. وتحت شعارات البعث استُبعد كبار الضباط الذين ينتمون الى اقليات اخرى، خصوصا الضباط الدروز وابناء الطائفة الاسماعيلية 1967 و1969 على الترتيب.
وفي ظل شعارات البعث تحالف الاسد الابّ مع سنّة الارياف، نكاية بسنّة المدن. وتحت شعارات البعث، كان الدخول الى لبنان بضوء اخضر اميركي- اسرائيلي من اجل وضع اليد على "مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية" في لبنان. والعبارة الاخيرة،  هي التي استخدمها اليهودي هنري كيسينجر في تبريره السماح لحافظ الاسد بدخول اراضي لبنان عسكريا وامنيا.
تحت شعارات البعث، كانت الحرب على البعث الآخر في العراق والسير في ركاب ايران خلال حرب الخليج الاولى بين 1980 و1988. وتحت شعارات البعث اغتيلت مجموعة كبيرة من زعماء لبنان بدءا بكمال جنبلاط وصولا الى رفيق الحريري، مرورا بالمفتي حسن خالد ورئيسين للجمهورية هما بشير الجميّل ورينيه معوّض.
تحت شعارات البعث، خرج المسلحون الفلسطينيون من لبنان، لتحل مكانهم، بتسهيلات سورية، ميليشيا مذهبية تابعة لايران اسمها "حزب الله".
كان البعث بشعاراته صالحا لكلّ الاستخدامات. كم من الجرائم ارتكبت باسم البعث وشعاراته؟
بقيت الحال كما هي عليه طوال خمسين عاما. كانت هذه الشعارات قادرة على تغطية كلّ انواع الجرائم والممارسات داخل الاراضي السورية وخارجها، بما في ذلك جريمة حماة في العام 1982. كذلك، كانت تلك الشعارات غطاء لسياسات، ذات طابع ايجابي، اقلّه ظاهرا، على الصعيد الاقليمي، سياسات لا علاقة لها بالسياسات المعلنة للنظام. الدليل على ذلك، مشاركة الولايات المتحدة في حرب تحرير الكويت. وقد تبيّن ان تلك المشاركة لم تكن سوى غطاء للحصول على موافقة من واشنطن على البقاء في لبنان وارتكاب مزيد من الجرائم في حقّ اللبنانيين وترسيخ الشرخ الطائفي والمذهبي في البلد!
باختصار، قام نظام البعث السوري على الابتزاز. ما لايمكن تجاهله في ايّ وقت هو ان هضبة الجولان احتلت في العام 1967 عندما كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع، كما كان يتأهّب للانقضاض على رفاقه تمهيدا لاحتكار السلطة في تشرين الثاني- نوفمبر 1970. لا تزال الهضبة محتلة الى اليوم. لم تبذل سوريا- الاسد اي محاولة جدّية لاستعادتها لا عبر المفاوضات ولا بالوسائل العسكرية!
كانت شعارات البعث صالحة حتى لتبرير هزيمة حرب حزيران 1967 ثم لاتفاق فك الارتباط مع اسرائيل في العام 1974 بعد حرب تشرين1973 التي اراد حافظ الاسد توظيفها لمصلحة النظام الذي والاستيلاء على لبنان بدل ان تكون مدخلا لاستعادة الجولان.ومنذ ذلك التاريخ تحول الأسد إلى كلب حراسة للحدود الشمالية لإسرائيل والحليف الأوثق لها.
في السنة 2013، بعد خمسين عاما على انقلاب الثامن من آذار، لم يعد السؤال ما مستقبل البعث في سوريا؟ السؤال ماذا ستفعل ايران بسوريا؟ كيف ستتقبل خسارة كلّ هذا الاستثمار في هذا البلد بعدما صارت خسارتها للنظام مؤكدة؟ هل تبقى سوريا ام انها ستنتهي مع سقوط النظام الذي جاء به البعث اصلا وانتهى في مكان له علاقة بكلّ شيء ما عدا بالنظريات البعثية،من المضحك تذكر شعار البعث
 "امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". لم تعد المسألة مرتبطة بتوحيد الامة العربية بمقدار ما انها مرتبطة بابقاء الطائفة العلوية ملتفة حول العائلة الحاكمة. انها نهاية تليق بالفعل بالبعث السوري!

الأنثى

   ا لحبُّ عند "آرثر شوبِّنهاور - نفى شوبنهاور عن إناث البشر أي سحر جسدي حقيقي ، وأضاف أننا نخطئ حين نطلق لفظ "الجنس اللطيف" ...